رياض الزهراء العدد 162 جائحة كورونا
فَقْدُ الأَحِبَّةِ فِي زَمنِ (كورونا)
إنّ الإيمان إذا رسخ في القلب، واليقين إذا تعمّق في النفس تولّد منهما الصبر على ما يقدّره الله عزّ وجلّ من البلاء، وينبثق عنهما الثبات على نهج الرسل والأنبياء، ويؤسّس كلّ ذلك التوكّل على ربّ الأرض والسماء. فالمؤمن بالله وقدرته تختلف رؤيته بشأن جائحة (كورونا)، وكيفيّة التعامل معها نفسيّاً من منطلق الرضا بقضاء الله وقدره، وإيماناً بقوله تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)/(الرحمن: 26-27)، هذه العقيدة تمنحه الصبر وتؤمنه من الخوف والهلع. ولكنّ الجميع متّفق على أنّ فراق الأحبّة يقطع نياط القلب، ونحن كغيرنا من الناس اُعتصرت قلوبنا ألماً، وجعلت الكثير منّا يتساءل: هل نفجع بموت أحبّتنا وتلسعنا سياط الفراق؟ ومنهم مَن وضع يده على قلبه خوفاً، ونفض غبار الفكرة قبل اكتمالها. وتحت وطأة الفيروس تراكمت الأحزان تباعاً، وخيّم الحزن والقهر على كبيرنا وصغيرنا ونحن نسمع أخبار أبناء بلدنا وجيراننا وأقاربنا يترجّلون عن صهوة الحياة الواحد تِلو الآخر بعد معركة غاشمة غير متكافئة، مبهمة المعاني والتعريفات، ولعلّ أقسى فصول تلك المعركة رحيل بعض المرضى وهم يقاسون من ألم الوحدة في غُرف العزل، فلا خِلّانهم ولا أحبّتهم يحيطونهم باهتمامهم وحبّهم، فكم كانوا بحاجة إلى يد حنونة تتلمّس جباههم، وكلمات لطيفة ودافئة تواسيهم، أو تشجّعهم وتشدّ أزرهم؟ كانوا وحيدين بعد معاناة صعبة أرهقت أعصابهم، وماتوا ودُفنوا وحيدين من دون وجود عوائلهم لتنعى فقدهم، متسربلين إلى ربّ قدير مقتدر لطيف رحيم. كثيرة هي تلك القصص المؤلمة، فبعد حياة عريضة مُترعة بالنشاط والعمل، جمعتنا معهم، وشائج وطيدة ربطتنا بهم، ومنزلة كبيرة حملناها لهم في قلوبنا يفاجئوننا برحيلهم، وفي الوقت الذي ندعو لهم بالرحمة والمغفرة من الله، تخطفنا الذاكرة إلى حيث المواقف والأماكن والحوارات التي جمعتنا معاً، ربّما انتهت رحلتهم في الحياة، ولكن تحيا ذكراهم الطيّبة في قلوبنا، فرحم الله جميع مَن رحلوا عنّا وأسكنهم فسيح جنّاته. نسأل الله تعالى أن يعافي الجميع من كلّ مكروه وسوء، وأن يرزقنا وإياهم الصبر والرضا بقضائه وقدره وندعو لأحبّتنا الذين رحلوا عنّا بالمغفرة والرحمة.