عَلى وَجَعِ الرِّمَالِ

زهراء سالم/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 171

بعيداً وسطَ غبار الصَّحراء تدورُ بي الرِّيحُ، وضاقتْ بي الأرضُ، لابُدَّ لي من أن أطيرَ، لكننَّي أدميٌّ، شعرتُ بلحن الحُزنِ يمزِّق صدري، فأيّ مراكبَ رمليّة تقلّني إليهِ؟ لمْ يَعُدْ اللَّيلُ ليلاً، انطفأت النّجومُ في خدِّ السّماء، ومزَّق القمرُ ضوءه، وأخذَ يقبِّلُ يدَ الشمسِ لتأذنَ له بالرَّحيل. ما بينَ طيّاتِ الأسى أسبحُ في حروفِ اسمه ركبتُ فوقَ جناحِ الألم، قاصداً سرَّ مَن رأى، مرَّ الوقتُ خريفاً والعمر فراغاً، والصَّمتُ المُطبق يقتلني. وصلتُ ولكن... تأخّرَ الوقتُ لم أجدْ أحداً يكلّمني... أرى كلّ شيء جاثماً في مكانِه، حتّى الوقت توقّفَ قلبُه، وأعلنَ الكونُ عن عجزِه، وأخذَ الوجودُ يحوكُ رداءه المخمليّ، وتمزَّقت كبدُ السماءِ وهي تنظرُ كبدَ الإمام الحسن العسكريّ(عليه السلام) تتمزَّق بسمِّ العِدا ظلماً وعدواناً، كلّ شيء باتَ قَلقاً يساورهُ الحزن. يا تُرى ما الذي يحصل؟! قلتُ: عليَّ أن أمضيَ إلى دارِه، لألتقي به، عليَّ واجبٌ أن أؤديَ واجبي، ولكن لم أجد أحداً، عبثٌ وفوضى في الحواسِ، وقفتُ انتظر وانتظر ولكن لا جدوى من الانتظار، طرقتُ البابَ مرَّة أخرى علّه يُفتح، مضَى الوقتُ وأنا جالسٌ بانتظارِه. ماهي إلاّ ساعةٌ وإذا بجنازةٍ تخرجُ من عقرِ دارِه، فتسرَّب إلى قلبي الخوفُ، وبدأتْ أطرافي ترتجِف كأطرافِ عجوزٍ في شتاءٍ بارِد، وأخذتْ تدورُ في عقلي دوّامةٌ من الأسئلةِ، يا تُرى لـمَن هذا النّعش؟! والمشيّعون كأنَّهم أطوادُ حزنٍ وعلى وجوههِم علاماتُ فراقٍ، وعيونهم كأنَّها غيومٌ مثقلةٌ بالماءِ، هُرِعتُ إليهِم، بيّن طيّات حزنِي وحيرتِي وإذا بالنّاعي ينعى الإمام الحسنَ بن عليّ العسكريّ(عليه السلام) صمَّ نداؤه مسامعِي، وجلستُ متثاقلاً بهمِّي، كأنَّ الكونَ ألقى بثقلهِ عليَّ، وابتلعَ الكلامُ لسانَه، وتحجَّرت مقلتايَ بالدّموع، وأنا أردِّد "وداعاً يا سيّدي وداعاً".