مِن دُرَرِ الزَّهرَاءِ(عليها السلام)

نرجس مهدي/ كربلاء المقدسة
عدد المشاهدات : 149

وقفتُ على محيط معرفتكِ.. فعقلتُ قارب قلبي بشراع ولائي؛ لأبحر في معنى جواهركِ العالية المضامين.. إنها الزهراء(عليها السلام)، جهلوها وهي بين ظهرانيهم، فأنّى لنا معرفتها وقد غاب شخصها وعُفِي قبرها؟! كيف للمحاط أن يُدرك المحيط؟! وكيف للذرّة أن تستوعب المجرّة؟! ولكنّنا نقحم أنفسنا في طيّات عباراتكِ، علّنا نفقه ونترجم آهاتكِ التي بثثتِها، وانفجرت كالبراكين التي أخرجت كنوزها.. لكي نعرف المعادن النفيسة التي نطقت بها شفاه النبوّة.. فاسمحي لنا مولاتي أن نقترب من عطركِ الفوّاح، لنستنشق بعض شذاه، وامنحينا هذا الشرف لمعرفة مكنونات حروفكِ المضيئة.. في خطبتكِ ذات الحجّة الواضحة والبراهين القاطعة التي دلّت على عذوبة المنطق ومتانة الدليل. وإليكم قبسًا من نور خطبتها المباركة في فلسفة الأحكام . قالت(عليها السلام): "فجعل الله الإيمان تطهيرًا لكم من الشِرْك"(1). هل يستحبّ تطهير الباطن من النوايا الخبيثة؟ الجواب: نعم يستحبّ ذلك، مثلما يستحبّ تطهيره من الملكات الرذيلة، ويجب تطهيره من العقائد المنحرفة، فالقلب يتنجّس مثلما يتنجّس البدن.. ونجاسة الباطن أشدّ أثراً من نجاسة الظاهر. فلو تنجّس البدن بالقاذورات الظاهرية، كان تطهيره بالماء وشبهه، مثلما أنّ بعض القاذورات يكون تطهيرها وتنظيفها من الميكروبات بالمعقّمات المادية. أمّا القلب والباطن فتطهيره يتمّ بشكل آخر، فلو اغتسل مَن يحمل الحقد أو الحسد في قلبه بكلّ مياه الدنيا لم يطهر. فلا بدّ من استخدام مطهّر خاصّ، ومن نمط معيّن لكلّ واحد من نجاسات الباطن، ولذا كان مرض القلب أعضل، وعلاجه أعسر، ودواؤه أعزّ، وأطبّاؤه أقلّ. قال أمير المؤمنين(عليه السلام): "أشدّ مِن مَرضِ البَدنِ مَرضُ القَلبِ"(2). لذلك كان قول الله سبحانه وتعالى: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ)/(الحج: 30). (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ)/(التوبة: 28)، والظاهر أنّ المراد بالإيمان هو الإيمان بأصول الدين كلّها من التوحيد، والعدل، والنبوّة، والإمامة، والمعاد، إذ كلّ مَن لم يؤمن بأحد هذه الأصول يكون نجسًا نفسًا أو جسمًا أيضًا . فمَن لم يؤمن بالله يكن كافرًا، وكذا مَن لم يعتقد بالنبوّة والمعاد، أمّا مَن لا يعتقد بالولاية، فلا يقبل الإيمان منه، إذ قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): "عليّ أمير المؤمنين، وقائد الغرّ المحجّلين وإمام المسلمين، لا يقبل الله الإيمان إلّا بطاعته وولايته"(3). وقالت(عليها السلام): "والصلاة تنزيهاً عن الكبر". فما معنى كلمة الصلاة؟ الجواب: للصلاة معنى اصطلاحي ومعنى عامّ (معنى لغوي). فالأول: هي الصلاة المفروضة ذات الأركان الخمسة، والثاني: دعاء وطلب نزول الرحمة الإلهيّة؛ فإنّ الصلاة عطف وميل وتوجّه لله(سبحانه وتعالى)، فما المقصود من تشريع الصلاة؟ الجواب: إنّ المقصود من تشريع الصلاة هو القضاء على رذيلة الكِبر؛ لأنّ الصلاة خضوع وخشوع لله(سبحانه وتعالى). ركوع وسجود وتذلّل.. وترى أنّ أكثر المصابين بداء الكِبر هم تاركون للصلاة؛ فينبغي تنزيه النفس من الرذائل، وبعض مراتبها التي لا تخفى . قال تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)/(الشمس: 7-10). أمّا الكِبر فقد قال رسول(صلى الله عليه وآله وسلم): (إيّاكم والكِبر، فإنّ إبليس حمله الكِبر على أن لا يسجد لآدم)(4)، والكِبر صفة من صفات الجمال لله(سبحانه وتعالى) قال تعالى: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) /(الحشر: 23). ................................ (1) بحار الأنوار: ج29، ص223. (2)غرر الحكم ودُرَر الكلم: ج67، ص61. (3)بشارة المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم) لشيعة المرتضى(عليه السلام): ج20، ص1. (4) ميزان الحكمة: ج ٣، ص2650.