رياض الزهراء العدد 162 منكم وإليكم
بَحرٌ
بينما كنتُ متكئة على طاولة شرفتي أبري قلمي، وأمامي ورقة تميل إلى اللون البنّي، وكوب قهوتي الساخنة يتصاعد منه البخار؛ ليَتكثف على أغصان أشجار الخوخ المتدلية نحوي، هناك القليل من الغيوم اليوم ممّا جعل الجوّ لطيفاً، شعرت بنسمة باردة داعبت أذنيّ، فرفعتُ وشاحي كردّ فعل سريع!! بعدها سمعتُ خطوات أختي الصغيرة تطأ الغرفة، وتتقدّم نحوي، أتت إليّ بابتسامة تعلو وجهها وقالت: أختي، ما هو البحر؟! ابتسمتُ في وجهها، ثم حدّقتُ في ورقتي وأنا أهزّ القلم بأصابعي مثلما اعتدتُ أن أفعل ذلك عندما أبحثُ عن جواب سؤال ما!!! قلتُ: ارفعي رأسكِ إلى السماء وانظري هل هناك نهاية للون الأزرق؟ - لا!! - البحر يملك اللون نفسه والامتداد نفسه!! ويوجد عالَم من الكائنات في داخله!! وعلى أطرافه توجد الرمال، إنّها ناعمة جداً كالغيوم!! وتوجد الكثير من الأصداف عليها!! هل عرفتِ البحر الآن؟ - أجل لكن إذا سافرتُ فمَن الذي سيدلّني؟ - هناك الكثير من الأمور القادرة على أن ترشدكِ إلى اليابسة مرّة أخرى!! يجب أن تكون لديكِ بوصلة ودفّة وشراع صالح للسفر، والأهمّ من ذلك خارطة للمكان، فيجب أن تحدّدي وجهتكِ التي تريدينها وإلّا ستضيعين!! ومن ثمّ ستستقبلكِ المنارات القريبة من المرسى!! - أوه، إنّ البحر رائع للغاية أتمنّى السفر فيه!! كانت عيناها تلمعان من شدّة الفرح، شكرتني وأسرعت بالخروج.. تبسّمتُ وقلتُ في داخلي: عندما تكبر ستعلم أنّ طريق أهدافها بحر عميق وطويل، وسيكون الخيار بيدها، إمّا أن تمضي إليها، أو تبقى على الشاطئ الذي لم تخلق له!! لكنّ رؤية المنارة ستكون أجمل عندما تمرّ بها!! الجميع يقف على الشاطئ وهدفه خلف البحر، لكنّ الأمر متروك له، هل سيرضى بالموت من دون أن يقدّم لنفسه أولاً، وللعالم ثانياً أيّ إنجاز؟ أو أنّه سيجازف ويختار المغامرة التي ستريه الفجر؟ أبحِرْ فنحن بحاجتكَ!!