أتيتُ إلى جَعفَرٍ لأَرى نُورَهُ
فِي ذلك اليومِ تنفّسَ الصبح عبيرَ الفرح، وجلس الكون عند أعتاب الولادة، تزيّن بأكاليلِ الزهور، وتفجّرت في الأرضِ العيون. وقفتُ على متكأ السَّعادة أراقبُ الشَّمس وهي تخطُّ وجهَ السّماء على استحياءٍ، تجرُّ بأذيالِها كأنَّها عروسٌ تسير إلى خدرِها، والسَّماء ارتدتْ ثوبها الزَّرقاويّ المطرَّز بالغيومِ البيضاء، انتثرتْ فيها العصافير كأنَّها ورودٌ تزيِّن فستانها، كلّ شيء بدا تغمره السعادة، حتى قلبي خرج من بئرِ الحزن ليعتلي طود الفرح. فاءت الروح إلى تلك المدينة التي تنوّرت بقدوم الإمام الصّادق(عليه السلام)، لا شيء يحدّها، وهي تقطعُ تلكَ الفيافِي بتغريدة العشق، وألحان الفرح، تسابقُ دقائق الزّمن الجميل؛ لتحظى برؤية سيّدها وهو يحمل وليده بينَ يديه. كلُّ شيءٍ على وجهِ الأرضِ ينبئُ بالخير، حتّى رمال تلك الصَّحراء بدتْ وكأنَّها سبائك من ذهب، والهواء يمرّغ وجههَا فتتلألأ بيّن يديّه كتلألؤ النِّجوم في خدِّ السّماء ليلاً. خطوةٌ بخطوةٍ وأنا أقطعُ تلك البيداء، لا شيء يشغلني سوى لحظات اللِّقاء. يا ترى بأيّ كلماتِ الفرحِ أهنّئه؟! حتماً ستجفُّ على لسانِي الكلمات، وتتعثَّر في خطواتِها الحروف، وتسجد عند أعتابِه الحركات؛ لتنظم له عقداً من نور لتقدِّمه لسيِّدها. كلُّ الوجود وقفَ إزاء تلك الدَّار المباركة، وهوَ يتنظرُ غرَّة "جعفر الصادق(عليه السلام)"، وما هي إلّا ساعةٌ وإذا بالإمام محمّدٍ الباقر(عليه السلام) يظهرُ وعلى وجههِ ملامح السَّعادة، وبينَ يديه قمرٌ لُفَّ بقماطٍ، طرَّزته الشَّمس من ضيائها، وهو يشكرُ اللهَ تعالى على نعمائِه، وهوى بينَ يديه الكونُ ساجداً، والمَلكُ مهلِّلاً، وهوَ يردِّد "مباركٌ عليكَ قدومُ جعفر".