مَيلٌ وَ إِسنادٌ
المرء كُتلة مُشتعلة من المَشاعر والأحاسيس، فلقد حَبانا الله(سبحانه وتعالى) إيّاها؛ لتَجعل الإنسان بفطرتهِ السليمة يُدرك كلّ شيءٍ فِي الكون، إنّه يشبه الكأس حين يُترع بالماء، يزخر بَمشاعر جَيّاشة، كالإحساسِ بالفَرح والحُزن، والمَرض، والرّأفة، والغبطة والخذلان.. كُلّما امتلأ هذا الوِعاء بما يزيدُ عن طاقة تحمّله، فإنّه يُصبح منَ الصّعب موازنة المشاعر والحفاظ عليها، كَيف ذلِك؟! عن طريق القلب الذي يَحمل كلّ هذه الانفعالات، ينشأ وازِع متكامِل معَ الطبيعة، أمّا حين يفرغ هذا الوعاء فيُصبح من الصعب مَلؤه، وَإن كُسِر يُصبح شَذراتٍ مُتناثرة، حُزنٌ أزرق، فرحٌ مكسُور، ومرضٌ يفتكُ بالجَسد، يؤرّقهُ في الليل، فيتآكل شيئاً فشيئاً مع مرور الوقت؛ فيُصبحُ منَ الصعب جداً التمييز بين هذه الكُتل التي اختلط بعضها ببعض، رُبّما أقَرب مِثال هو العلاقة الزّوجية بينَ الشّريكين، عَلاقة مَيل وإسناد، تبادل وعطاء، أَن تَمنح قَلبكَ وكلّ شيءٍ بداخلِكَ من عواطف، هُنا تَشتعلُ روُحكَ كالبُركان، تتهيّج مشاعركَ ولا تتوقّف، تَبحثُ عَن يدٍ تُعانقها بالاهتمام، عن كلمة حُبّ تَنقرُ فِي دماغكَ، عن ابتسامة مشحونة باللطف، هنا في هذهِ اللَحظة تَتصارعُ عقارب الساعة فَتنتفض خوالجكَ. فالعَلاقة بينَ الزوجين مُختلفة، تارةً تكُون بَسيطة وَتارةً أُخرى مُعقّدَة، أَن لا تَميلَ كلّ المَيل بمَشاعركَ فتَنكسِر، وَلا تَقِف فِي منتصفِ القَوس تَنتظر انقضاء مدّة زمنيّة مُعينة لتَفتح بابَ روُحكَ. أمّا المَشاعِر فتَنقسِم إلى سلوُكيّات فرديّة واجتماعيّة، فالفردية منها مثل المُتبادلة بينَ العائلة، تكُون موسومَة بالدّفء، والمحبّة، والطّمأنينَة، والأمان والذّكريات العَتيقَة، هذا النّوع منَ المَشاعِر يستطيع الفرد ذاته أن يتحكّم به، فيقرّر منحه أو مسكه، الجُود أم البُخل به، وهذا التحكّم يبدأ من الصُورة الفرديّة وينتهي بالإطار الأكبر الذي يضمُّ المجتمع، وأيّ تصرف فرديّ يتوافق مع سلوك الآخرين ليرسم نمط سير المجتمع بأسره، فأنتَ داخل منزلكَ الصغير ومع عائلتكَ معدودة الأفراد، لا تتمتّع بالحرية التامّة في التصرّف من دون أن ينعكس ما تقدّمه على المجتمع، فأنتَ حالة من حالاتٍ كثيرة، نَسَمة وسط ملايين النَسمات، معتنق لدين ومؤمن بعقيدة وتابع لنسب، وفوق كلّ هذا أنتَ إنسان، ومخلوق من مخلوقات الإله الأعظم، تُمثّل كلّ ما تتبعه، وإنّما سلوككَ الذي تسلكه هو انعكاس لكلّ ذلك. أباً كنتَ أم أخاً، أمّاً كنتِ، أم زوجةً، بنتاً أم أختاً، كلٌّ معنيّ داخل العائلة الواحدة بما يُقدّم، ولعلّ أهمّ مَن تُناط به مَهمّة كهذه، هما طرفا العلاقة الزوجيّة، فإنّما هما غارسانِ للبذور، فإن صلح غرسهما، صلُحت سائر الأمّة، وإن فَسُد، قُرِئ على الأمّة السلام.