رياض الزهراء العدد 162 أروقة جامعية
يَدٌ مِن حَرِيرٍ
مباركةٌ هي اليد التي تعمل. هذا ما علّمته إيّاها السماء. حين كانت أصغر سنّاً، كانت مَهامها أقلّ، وتبذل جهداً أبسط ممّا تبذله الآن، فقد كانت اهتماماتها كلّها تنصبّ على الواجبات المدرسيّة وبعض الأعمال المنزليّة البسيطة لتُعين بها والدتها، لكنّها سنةً تلو أخرى كانت تكبُر، وكبُرت معها مَهامها، باتت تعمل طوال النهار تقريباً، وتسهر كثيراً من أجل الدراسة. ترى باقي الفتيات ممّن هنّ في سِنّها يقضينَ وقتهنّ على شبكة الإنترنت والهواتف الذكية، لا يفارقنها ولو لبضع دقائق، يمتلكنَ أوقات فراغ لا متناهية، وعقولاً لشدّة فراغها تكاد تطفو في الهواء، لهنَّ أيادٍ ناعمة، لا يُفسدها غسل الملابس أو الصحون، تتناوب على أظافرهنّ مختلف ألوان الطلاء، ولهنّ حياة متخمةٌ بالرخاء. لطالما كانت تسمع عن فتياتٍ لا يتكلفْنَ حتى بغسل الصحن الذي يأكلْنَ منه، كانت تحتقرهنّ أيّما احتقار، ولطالما شعرت أنّهنّ يشغلْنَ حيّزاً من الفراغ دونما جدوى، وتحمد الله على التعب الذي تُلاقيه، التعب الذي سبّب لها آلاماً في عمودها الفقري في عمرٍ مبكر، وجعلها تتخلّى عن الاهتمام بكلّ الأمور التي كانت تتسابق عليها الأخريات، لم تكن تخرج في كلّ يوم لتحظى بالمتعة والمرح في الأسواق أو الزيارات، لم تكن تشتري في كلّ أسبوع ملابس وحقائب وأحذية، لم تكن تبتاع عطوراً بأسعارٍ خياليّة، ولم تكن تهتمّ لأن يُعجب بها أيّ رجل على وجه الأرض. كانت تشعر بالرضا لكلّ هذا، ولطالما حدّثت الله(سبحانه وتعالى) عن كلّ أحلامها الصغيرة، وهي تستشعر الحنو والرضا حين ترفع يديها له بالدعاء والأمنيات، وهي تعلم أنّهُ لن يرُدّها خائبة، لم يكن يهمّها شيء سوى رضاه و مباركته لأيامها. كانت تبتسم حين تشعر أنّ الله يرى كلّ ما تفعله يداها، وتتأكد من أنّه سيكافئها بالخير دائماً، وأنّه لن ينسى كلّ ما تقوم به. يدُها مباركة، وُظّفت لفعل كلّ ما هو خير، يدها تُنجز أعمال المنزل بكلّ مستوياتها، مثلما علّمتها الأيام أن تعمل، وتطهو الطعام، وتغسل الأواني، وتُطعم الأطفال وتعتني بهم، يدها تسقي النباتات، وتغرس البذور لحياةٍ جديدة، وهي ذات اليد التي تُمسك الكُتب لتقرأها، وتُمسك القلم لتُدوّن ما يدور في أعماق روحها من مشاعرٍ لا يفهمها البشر. هي اليد التي تدلك جسد أمّها كلّما تأوّهت، تُمسك مكان الألم لتقرأ عليه سُوَراً من القرآن الكريم، وهي اليد التي تجلب لها الدواء لتتعافى. يدها تعمل وتجتهد، وتكتب الأجوبة في الامتحانات وتنجح بتفوّق في كلّ مرّة. يدها تُمسك بأيدي صديقاتها، وتُسندُ مَن تقع، وتواسي مَن تتألّم، وترتفع لتناجي ربّها ليلاً. تمسح دموع عينيها حين تنهمر على خدّيها، وتلفّ الحجاب على شعرها بإحكام، وتمتدّ لتتصدّق على الفقراء. كلّ امرأة، صبيّة أو طفلة أو مسنّة، عليها أن تعلم أنّها تملك يداً مُقدّسة، باركها الله، وسخّرها لتُسيّر هذه الحياة، ولتعلم أن لولا يداها لما كبُر طفل، ولا بُني مجتمع، ولا قامت أمّة. تلك اليد هي نصف المجتمع، و لولاها لما وُلد ولا تربّى النصف الآخر.