رياض الزهراء العدد 162 ألم الجراح
وَجَعٌ مِن رَبيعِ الذِّكرَى
عن ماذا ستحكي لنا ليالي سامراء؟ فموعدنا قد حان و روحي تتوق إلى الملتقى.. وفي قلبي شوق وتنهد لنسترجع معاً ذكرى جديدة من ماضيها الحزين ونستنشق من نسائم ذكرياتها النديّة ذكرى ملأت جرحنا نزيفًا ضمّدته بأدمع جارية تحاول هزم حنين حيرتها كي لا تنال الموت تحاول أن لا تستردّ قصصها المؤلمة لكنّ نبضاتها المتسارعة تغرق الصفحات بحبر المسكونين بالشوق والمتعبين بعشقها، ألم ومرار كالمطر، تبلّلت كلماتها التي تحاول أن تخبّئها في الضلوع؛ لتكبر في مواسم البكاء وتُصبح أنهاراً تجريها دموع النساء لكنّ الضلوع ظلّت يابسة لم تشفع الأنهار لأرواحنا التي ظلّت تتشقّق ظمأً لرشفة من صوتها المعتق فلذاكرتها صدىً في محراب الحروف، ولدمعها شذاً في دروب الوجود وقد تدحرجنا إليكِ من زمن، نحمل قلمًا لنملأ خواء جعبتنا، فلا تكبحيه بذاكرة ولا توقفيه بصافرة عند سفوح الخوف سامراء يا زارعةَ الحروف فيكِ نبض يعزف سيمفونيّة خالدة يرنّ صداها ويفوح شذاها يُجمّلكِ بحزن أنيق فاليوم حزن الفراق يعود بشهيد سقط صريعاً، ولا ذنب له إلّا أنّه طيّب من سلالة الطيّبين ودّعكِ إمامكِ الحسن العسكريّ(عليه السلام) وداعًا حزينًا وهجركِ مسمومًا مثلما تُهجر المدن القديمة نعم إنّه ذلك الأمين على سرّ الله فقدتِه من أجل الحقّ الذي أراد أن يسود أتذكرينَ ذلك الليل المشؤوم المظلم بلا قمر؟ أكنتِ تعرفين أنّه سيطول بكِ العمر وأنتِ تبحثين عن نور من أنوارهم؟ وبأنّ الدقائق تُمسي كثباناً رمليّة تغرق فيها كلّ الأمنيّات؟ ولم يهدِ إليكِ إلّا شمعة تضيء ظلمة غيابهم لليلة مثلما كنتِ حين تشعلين الشموع على ضفّة النهر لصاحب الزمان(عجل الله تعالى فرجه الشريف) أكنتِ تعرفين ما يخبّئ لنا القدر من أوجاع؟ أكنتِ تتصوّرينَ أنّ هلال قبّتكِ سيفقد ابتسامته؟ وستثور ذرّات ترابكِ غضبًا تبحث في الوجوه عن الثائر فلا ترى إلّا تلبّد المشاعر، فقد جفّت من العصيان ومن الجدران التي علت في الأركان ما عادت بيننا تلك الأرواح النورانيّة التي ألفناها غادرونا بلا رجعة وها أنتِ تشهدين انطفاء شعاع آخر للضياء المحمّديّ ليصبح سراجاً لأهل الجنّة مثلما كان لأهل الدنيا فعمّت العتمة في أفيائك وقُيّد اسمكِ في قائمة مدن الأحزان أضناكِ الفراق، وأصابكِ بالتعب، وجدتكِ محاصرة بين انتظار الأمل لتخلدي من جديد بالمدينة المنتصرة، وبين الحياة على تفاصيل ذاكرتكِ الموجعة أرجو يا سامراء أن تجمعي شتاتكِ وتبقي لنا عوناً في الليالي الصابرة أبقي المشاعر في القلوب حبيسة في المحابر صابرة، حروفها تلهث خلف الأسماء خاضعة ترجو من السطور المعذرة تُرسل رسائل مؤرّخة بحروفكِ الذهبيّة فَحواها يجبر الخواطر المنكسرة عذراً مدينتي إن رميتُ أشرعتي بأكملها على محيطكِ فما بيني وبينك دمعة انتظار، وألم واصطبار.