المَكْتَبَةُ النُّسْوِيَّةُ فِي العَتَبَةِ العَبَّاسِيَّةِ المُقَدَّسَة

دلال كمال العكيليّ/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 311

تنبع أهمية المكتبة من أهمية القراءة واكتساب الثقافة، فالمكتبة هي الحاضنة التي تحتضن المثقفين وطلاب العلم؛ لذا نستطيع أن تقول: إنّ المكتبات هي المؤشر الثقافي للدولة، فللمكتبة أهمية لا تقلّ عن أهمية المستشفيات والمدارس ودور العبادة؛ لأنها تسهم في بناء المجتمع؛ ولذا ارتأت مجلة رياض الزهراء (عليها السلام) تسليط الضوء على المكتبة النسوية في العتبة العباسيّة المقدّسة لِمَا لها من أهمية بالغة ودور كبير في رفد الجانب الثقافي في المجتمع. إنّ المكتبة النسوية ومكتبة ودار المخطوطات في العتبة العباسية المقدّسة من أوائل المكتبات الأساسية في العراق، إذ تنماز بمصادر المعلومات من الكتب التي تصل إلى (45) ألف كتاب، فضلاً عن الدوريات القديمة والحديثة، الورقية والإلكترونية، والنوادر والأصول التي قلّ أن توجد في أيّ مكتبة أخرى، مثلما تحتوي على مركز لإيداع الكثير من الرسائل والأطاريح الجامعية التي يعدّها طلبة الدراسات العليا في الجامعات العراقية؛ ولذا اهتمت باقتنائها وإعداد فهارس ورقية وإلكترونية للتعريف بها، وعملت على إتاحتها للباحثين وَفق ضوابط خاصة. في حديث دار مع الست أسماء رعد/ مسؤولة شعبة المكتبة النسوية قالت: إنّ الكلام على نشأة المكتبة النسوية هو في الواقع حديث عن جانب تشرق منة المعرفة والثقافة على المرأة المدركة لمكانتها في الإسلام، فضلاً عن الاهتمام الكبير الذي يوليه سماحة آية الله العظمى السيّد علي الحسيني السيستاني (دام ظلّه) للثقافة وللمرأة. والمكتبة من الشعب التابعة لقسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسيّة المقدّسة؛ ففي بادئ الأمر كانت تقتصر على الرجال، ومن ثمّ خصّصت مكتبة للنساء وبأوقات دوام مختلفة، وتمَّ افتتاحها في شَعْبَان عام 1427هـ/ الموافق 2006م بإدارة ملاك نسويّ. تتشرف المكتبة بتقديم مختلف الخدمات للنساء من الباحثات والطالبات والمطالعات. إنّ مكتبة ودار مخطوطات العتبة العباسية المقدّسة تضاهي كثير من المكتبات العالمية، وأغلب ما تحصل عليه هو عن طريق الشراء، فضلاً عن إهداء الناس الكتب القيمة كرامة لأبي الفضل العباس (عليه السلام). وتواصل الست أسماء رعد حديثها عن الصعوبات فتقول: إنّ العوائق تذلّل أمامنا وذلك لحجم الرعاية الأبوية التي نتلقاها من مسؤولي قسمنا الموقر والسادة القائمين على الأمانة العامة للعتبة العباسية المقدّسة، وعلى رأسهم سماحة المتولي الشرعي للعتبة السيّد أحمد الصافي (دام عزّه)، ومن يعمل في رحاب أبي الفضل (عليه السلام) من النادر أن يواجه العراقيل. تضمّ المكتبة العديد من الوحدات ولكلّ وحدة عملها الخاص بها ولها مسؤولة، وملاك المكتبة يقرب من (30) منتسبة ذوات مهارات وخبرات عملية منها ما يصل إلى عشر سنوات، عمل المكتبة الأساس هو تذليل الصعوبات أمام الطالبات والباحثات، فهي تقدّم خدمات مجانية للمستفيدة في أي جانب علمي كان، فالمكتبة تضم في طياتها الكثير من الثروات العلمية الأكاديمية وغيرها وفي شتى المجالات علمية أو أدبية أو دينية، فهي لا تقتصر على جانب معين، وكذلك فيها العديد من الأنظمة الإلكترونية المتطورة، ففيها الوحدة الإلكترونية التي تقدّم خدمات مجانية للمستفيدة، فحتى مَن لا تستطع الحضور بإمكانها الدخول على موقع المكتبة والحصول على ما تريد، وسعينا سعياً دؤوباً لإثراء المكتبة بالمصادر المتنوعة، والحصول على الكتب بأنواعها الورقية أو الإلكترونية التي تفيد المجتمع. ولنا الشرف أن ندعم أيّ نشاط نسوي وكلّ تجربة ثقافية في أي مكان وبمختلف الأنواع، سواء كانت ملتقى أو منتدى أو أيّ نشاط يهدف إلى تثقيف المرأة في ضمن ضوابط العتبة العباسية المقدّسة، ونعمل على التواصل والانفتاح على المؤسسات العلمية كافة لتحقيق بيئة تفاعلية فيما بيننا وبينهم تلبي احتياجات المستفيد بأسرع وقت وأقلّ جهد ممكن. وتتألف المكتبة النسوية من الوحدات الآتية: وَحدةُ الإعارة: تعد وحدة الإعارة العصب الرئيس للمكتبة، لأنّ أساس قيام المكتبة هو الثروة التي تحويها طيات صفحات الكتب, وفي حديث دار مع الست أزهار عبد الجبار مسؤولة الوحدة قالت: إنّ الوحدة تحوي العديد من المصادر المتنوعة التي هي في تزايد مستمر، إذ تحوي شتى صنوف العلم والمعرفة, منها (الدين، والفلسفة، والطب، والقانون.. وغيرها) رُتبت العناوين وما تضمنته الكتب وفق أحدث الأنظمة العالمية، ويستخدم نظام الترفيف في الوَحدة لسهولة استخدامة. تتبع الوحدة نظام المكتبة المفتوحة، أمّا الاستعارة فهي داخلية فقط نظراً لوقفيّة المصادر، ومن مهام الوَحدة الحفاظ على الهدوء, وتقديم أفضل الخدمات للمستفيدات ومساعدتهنّ في أدق تفاصيل البحث, وتستقبل الوحدة الوفود من داخل القطر وخارجه. المكتبة اللغوية جناح تابع لوحدة الإعارة، تلك المكتبة التي تحوي ما تحوي من ثروات لغتنا الأم، إذ تتكون من النحو، والصرف، والأدب، والبلاغة، والنقد، والقصص، والروايات بجميع النسخ القديمة والحديثة، فضلاً عن وجود الرسائل والأطاريح الجامعية لكلّ جامعات العراق والمجلات الدورية ومجلات العتبة العباسيّة، كذلك تحوي روايات وقصص عالمية مترجمة بين رفوفها العملاقة، وهناك الموسوعات الخاصة لكلّ العصور، وهناك أرشيف يضم عدد من المجلات التي تعود لعشرات السنوات الماضية مثل جريدة الوقائع العراقية التي تعود لأربعينيات القرن الماضي وغيرها من المجلات والكتب توجد في ضمن ذلك الأرشيف، كلّ ذلك وأكثر يقدّم مجاناً وبشكل يومي للباحثة الكريمة. وحدة مجلة رياض الزهراء (عليها السلام): لكون الإعلام المرآة التي تعكس ما يطرأ ويستجد على ساحات الحياة ومجالاتها المختلفة من تفاعلات وتطوّرات تحدث تأثيراتها المباشرة وغير المباشرة في حياة الشعوب والدول، فليس من السهل مقاربة موضوع العمل الصحفي النسوي وتحليل النتاج النسوي بغية الكشف عن مميّزات هذا العمل وخصائصه، وإذا كانت الصحافة عموماً وليدة واقع سياسي واجتماعي معيّن، فكيف بالصحافة النسوية تحديداً التي تزامنت نشأتها مع متغيّرات مهمة حدثت بعد عام 2003م وتغيير نظام الحكم والانفتاح الثقافي، والاجتماعي، والاقتصادي الذي حصل في العراق، ودخول التطوّر التكنولوجي، إذ ظهرت النساء كقوّة إعلاميّة بارزة عكست حضوراً أنثوياً صحفيّاً متميّزاً، محاولةً منها لسدّ الثغرات الواضحة في المجتمع بعد أن عمّه الجهل والتخلّف، إذ افرزت السنون المنصرمة حروباً متلاحقة وصراعاً سياسياً اكتسح كلّ ما من شأنه تطوير المجتمع وبنائه، ونمت أجيال تلو أجيال لا تعرف أبسط الأمور الأسريّة، والاجتماعيّة، والدينيّة، بل حتى اللباقة في الكلام، والتصرف، والديكور، والأثاث، والأزياء. في حديث دار مع الست ليلى إبراهيم/ رئيس تحرير المجلة ذكرت فيه: أنّ العدد الأول من مجلة رياض الزهراء صدر في 1/1/2007م، حيث كان العمل تطوعياً من قبل بعض المنتسبات في المكتبة إلى جانب عملهنّ خارج أوقات الدوام وبصفة هيأة التحرير، واستمر العمل هكذا إلى أن أصبحت المكتبة النسوية شعبة، وأُقرّت المجلة كوَحدة من وَحداتها سنة 2013م، وتغيّرت هيكلية الوَحدة وازداد عدد هيأة التحرير وخُصّص لها مكان وأجهزة كومبيوترية خاصة لملاكها، وصدر ملحق للمجلة لنشر التقارير الإخبارية باسم (عطر الرياض). وكانت الأهمية القصوى للإعلام لاسيّما الإعلام النسوي دافعاً من دوافع التأسيس؛ لذا تصدّت مجلة رياض الزهراء (عليها السلام) لنشر الثقافة الدينيّة والأسريّة في المجتمع، وكانت المرأة هي الهدف الأسمى لها ورسائلها الإعلامية، على اعتبار أنّ المرأة هي محور العائلة، وتقع عليها مسؤوليّة تربيّة الأولاد، فإن لم تكن الأم مثقّفة أو متعلّمة فما هو مصير الأبناء؟ زيادة على أنها تتصل وتؤثّر في الأخ، والأب، والزوج، والأبناء. ويعمل في هذه الوَحدة خمس منتسبات فقط، يقع على عاتقهنّ إنجاز كلّ ما يلزم من عمل المجلة من تصميم، وتحرير، وتصوير، وتنضيد، وما إلى ذلك، أمّا التدقيق اللغوي فيقع على عاتق بعض المدققين اللغويين العاملين في قسم الشؤون الفكرية والثقافية لتخرج المجلة بهذه الحلّة القشيبة. وحدة المكتبة الالكترونية: تحتوي هذه الوَحدة على الكتب الإلكترونية وبالاختصاصات المتنوعة وباللغتين العربية والإنكليزية، وكذلك توفّر الرسائل، والأطاريح الجامعية والبحوث والمحاضرات والدروس والبرامج الدينية والوسائل السمعية والبصرية، إذ تقدّم هذه الخدمات للمستفيدة كيفما تشاء على القرص الصلب أو الفلاش أو عبر الطباعة على الورق، وأهم ما تقدّمه المكتبة الإلكترونية الأطاريح والرسائل التي تفيد طالبات الدراسات العليا بشكل كبير، وكلّ القائمات عليها يقدمن المعلومات الكاملة عن طبيعة المكتبة الإلكترونية وكيفية استخدام الحاسبة والحصول على ما تريد الباحثة. ويصل عدد اختصاصات المصادر الإلكترونية التي توفرها المكتبة الإلكترونية إلى (116.224) اختصاصاً وفي كلّ المجالات، ولا تقتصر خدمات الوَحدة الإلكترونية على طلبة البكالوريوس أو الماجستير والدكتوراه، بل تُقدّم إلى طلاب المراحل المتوسطة والإعدادية، إذ تقدم لهم الأفلام التعليمية التي تتضمن موادّهم الدراسية، فيحضرون بشكل يومي تقريباً للدراسة عن طريق متابعة شروحات بعض المدرسين على جهاز الكومبيوتر، ولأنّ الأجواء في المكتبة مناسبة ولثقة الأهل بالمكان والقائمات عليه فهم يُحضرون بناتهم مطمئنين واثقين أنهنّ في أيادٍ أمينة. وَحدة دعم القراءة والتلقي: يسعى القائمون على خدمة أبي الفضل العباس (عليه السلام) إلى تقديم كلّ ما يصبّ في خدمة المجتمع، ففي عام 2014م استُحدثت هذه الوَحدة لتُسهم في نشر الوعي الثقافي بين أفراد المجتمع وشريحة النساء والبنات بشكل خاص، إذ تهدف الوَحدة إلى تحفيز الأفراد على طلب المعرفة لتكون ميزاناً وتقويماً لسلوكهم عبر القراءة التي تعدّ من أبرز روافدها بواسطة خارطة طريق سليمة وسريعة تسعى للوصول إلى عملية قراءة ناجحة وفعّالة ومفيدة تتضمن عمليات تشخيص المعوقات التي تثنيهم عن القراءة ومعالجتها وتعريفهم بمهارات التفكير والقراءة والاستيعاب الناجحة، وإرشادهم إلى الكتب التي تعدّ منابع حقيقية للمعرفة، فضلاً عن إقامة نشاطات مختلفة (ثقافية وفنية)، كإلقاء المحاضرات، وإصدار الكتيّبات والمنشورات، واِعداد الأفلام والندوات والمسابقات، ويعدّ برنامج أصدقاء المكتبة وروّاد الثقافة من أبرزها. وحدة الفهرسة: دائماً ما يسعى القائمون على إدارة المكتبة إلى تطويرها وباستمرار، فلم يغفلوا عن جوانب كثيرة من ضمنها الفهرسة التي تعدّ ذات أهمية بالنسبة إلى مقتنيات المكتبة الثمينة، فالفهرسة لها دور كبير في الاستفادة من الكتب من قبل روّاد المكتبة وغيرهم، إذ وصل عدد الكتب المفهرسة إلى ما يزيد على (2480) كتاب، القسم الأكبر منها فهرسة الكتب الإسلامية، وبعض منها فهرسة لكتب اللغة العربية، وطبّقت المكتبة العباسيّة نظام الفهرسة RDA الذي يعدّ من أرقى الأنظمة في العالم، والذي ترتفع تكلفته المادية مقارنة مع غيره، إلّا أنّ ذلك لم يشكّل عائقاً بالنسبة إليهم، فكلّ هم القائمين على المكتبة غايتهم تقديم أفضل الخدمات للباحثات الكريمات، الـ RDA هي قواعد وصف المصادر وإتاحتها، وهي محاولة لبناء ترميز فهرسة على نموذج FRBR، أمّا البنية المستخدمة في AACR2 كانت تقوم على قواعد التقنين الدولي للوصف الببليوغرافي (تدوب)، قامت عليه لجنة تضمّ ممثلين من ست هيئات كبرى، وهي: مكتبة الكونجرس، المكتبة البريطانية، جمعية المكتبات الأمريكية، اللجنة الأسترالية عن الفهرسة، اللجنة الكندية عن الفهرسة، المعهد المرخص لاختصاصيي المكتبات والمعلومات (بريطانيا).(1) وحدة الاستنساخ: نظراً لوقفية الكتب وتعذّر الاستعارة الخارجية أُنشئت وَحدة الاستنساخ لتذليل الصعوبات أمام المستفيدات الكريمات، فتقوم هذه الوحدة باستنساخ ما تحتاجه المستفيدة والباحثة من الكتب، وبمعدل محدّد من الصفحات لكلّ كتاب وبكلفة رمزية إذ يوجد جهازان للاستنساخ، وتعمل في هذه الوحدة منتسبتان تقدّمان الخدمة بشكل يومي للمستفيدات. من خلال ما تقدّم عرضه، وما قد ذكرناه، يتّضح لنا جلياً أنّ للمكتبات أهمية كبيرة ومؤثرة فالمكتبة هي الملاذ الأول والأخير للباحثين والدارسين، فهي بيت البحث العلمي، وما يميّز المكتبة النسوية في العتبة العباسيّة المقدّسة أنها أنموذج نادر فيما تقدّمه من خدمات تفتقر لها المكتبات الأخرى لكونها تحتوي على العديد من الكتب المهمة والحيوية, وفي أصناف العلم وأنواعه ومجالاته كافة، الأمر الذي يمكّن الباحثة من الحصول على المراجع بكلّ سهولة ويسر ودون تكاليف مادية وبخصوصية منقطعة النظير. ....................................... (1) ويكيبيديا الموسوعة الحرة