أَحَبُّ مَا طَلَعتْ عَليْهِ الشَّمْس
دخلت الثلّة الطيبة بيت الجارة الحنون أم زينب محمّلة بالبشر والهدايا، بادرت أم زهراء قائلةً: مبارك لكم المولود الجديد، جعله الله من الصالحين ومن أهل السلامة والخير.. أمّ زينب: جزاكم الله خيراً وبوركتم. أمّ عليّ: أكيداً أنك تعبتِ في المدة السابقة. أمّ زينب: منهكة نعم ولكن بلا شكوى، ساهرة من غير سأم، إنه تاج أفراحي. أمّ زهراء: إذن فهو الحفيد الأول، وما أدراك ما الحفيد الأول؟! أمّ حسين (وهي تتمتم بالبسملة والصلاة على محمّد وآل محمّد) ثم وجهت الكلام إلى أمّ المولود: ما اسمه؟ والدة الطفل: محمّد علي. أمّ جواد: جعله الله تعالى من السائرين على نهج محمد وعلي. أمّ عليّ: نِعمَ الاسمُ هو، هذا أولّ حقّ من حقوق الولد على أبيه. أمّ زهراء: بل أولها اختيار المستودع والحجر الطاهر. أمّ عليّ: أحسنتِ. أم زينب: الحمدُ لله أم محمّد علي امرأة كريمة ذات خلق ودين، لقد عاهد ولدي الله تعالى أن يُنشِئ ولده نشأة صالحة، فتتبع الأمور التي توصله إلى الهدف. أمّ حسين: بارك الله تعالى فيه. أمّ زينب: لقد أذّن أبوه في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى، فإنّ ذلك عصمة للمولود من الشيطان كما ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من وُلد له مولود فليؤذن في أذنه اليمنى بأذان الصلاة وليقم في اليسرى، فإنها عصمة من الشيطان الرجيم».(1) أمّ جواد (متسائلة): هل قمتِ بإرضاعه يا أمّ محمّد علي؟ أمّ محمّد علي: نعم، هكذا أوصى الإمام عليّ (قائلاً: "ما من لبنٍ يُرضع به الصبي أعظم بركةً عليه من لبن أمّه".(2) أمّ زهراء: أ تعلمين ما ثواب رضاعتك لوليدك؟ يقول النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله): "..فإذا أرضعت كان لها بكلّ مصة كعدل عتق محرّر من ولد إسماعيل، فإذا فرغت من رضاعه ضرب ملك على جنبها، وقال: استأنفي العمل، فقد غُفِر لك".(3) أمّ حسين: أضيفي إلى ذلك الآثار الطيبة التي تظهر على الأولاد، منها الإشباع العاطفي والإحساس بالأمان الذي يؤثر كثيراً في مسيرة حياة الإنسان وسلوكه وفكره ومعتقداته. أمّ حسين: أحسنتِ، فما وصل إليه الشريفان الرضي والمرتضى وكذلك الشيخ الأنصاري من علم ودين وخلق كان نتيجة رضاع أمّ طاهرة ذات دين وخلق، فقد ذُكر أنّ أمهات هؤلاء الأعلام لم يكن يرضعن أولادهن إلّا وهنّ على وضوء. أمّ زهراء: هناك واجبات على الوالدين الالتزام بها خاصة في السنوات الأولى كونها اللبنة الأساسية في تنمية قدراته ومواهبه، بل معتقداته. أمّ سجاد: على كلّ أمّ مطالعة وصايا أهل البيت (عليهم السلام)، فهي المنهاج الرصين والشامل للتربية النفسية، والبدنية، والروحية، والعلمية. أمّ زهراء: الوالدان هما المعلّمان الأوّلان في حياة الأبناء. أمّ حسين: لذا عليها الحرص على إعطاء الدروس الأولى بشكل عملي كالقيام بالتصدّق، وإشاعة الحب والسلام، واحترام الآخرين، وعدم الكذب والأنانية. أمّ عليّ: كذلك ترغيبهم بتحصيل العلم والثقافة خاصة ثقافتنا الإسلامية، وحبّ أهل البيت الأطهار، فهم منار الهدى والقدوة الحسنة. أمّ زهراء: ويكون ذلك عن طريق اصطحابهم إلى مجالس الذكر والمشاهد المشرّفة في جوّ رحب بهيج. فجأةً ساد هدوء على أجواء الجلسة وتبادلت الثلّة الطيبة نظرات مقروءة عندهنّ جميعاً ترجمتها كلاماً أم علي بقولها: هذا المخلوق البريء الجميل، إنه أمل جديد، آمل أن يكون جندياً في المشروع الإلهي الكبير لإعمار الأرض بالعدل، والحبّ، والخير مع المؤمل الموعود. وبصوت واحد ملؤه التفاؤل: إن شاء الله تعالى. ............................. (1) الكافي:ج6، ص24. (2) الكافي: ج6، ص40. (3) الأمالي: ص497.