تَعبيدُ الأسمَاءِ لغيرِ اسمِ اللهِ تعالى
كثيرةٌ هي الشبهات التي أثارها الوهابيّون حول عقائد المسلمين لاسيّما الإماميّة، والتي ترتّب عليها تكفيرهم تارةً واتهامهم بالشرك أو الابتداع تارة أخرى. ومنها جعلهم تعبيدَ الأسماءِ لغير اسم الله تعالى من الشرك الأصغر تارةً ومن الأكبر تارة أخرى، قال (صالح الفوزان)*: "تعبيد الأسماء لغير الله تعالى يعتبر من الشرك الأصغر، وهو شرك الطاعة، إذا لم يُقصد به معنى العُبوديّة، فإنْ قُصد به معنى العبوديّة والتألُّه صار من الشرك الأكبر، كما عليه عُبّاد القُبور الذين يسمّون أولادهم بـ(عبد الحسين) أو(عبد الرَّسول) أو غير ذلك، هؤلاء في الغالب يقصدون التألُّه، ولا يقصدون مجرّد التّسمية وإنّما يقصدون التألُّه بذلك والتعبُّد لهذه الأشياء لأنّهم يعبدونها، فهذا يعتبر من الشرك الأكبر"(1). وللردّ على هذه الشبهة نقول: للعبوديّة معانٍ مختلفة، ويختلف حكم تعبيد الأسماء باختلاف المعنى المراد منها، وهي: أولاً: العـبوديّة التكوينيّة: وتنشأ من المملوكيّة التكوينيّة التي تعمّ جميع العباد، بسبب خلقه تعالى إيّاهم. وهذه العبوديّة لا تجوز لغيره سبحانه؛ وذلك لأنّها رمزٌ للمملوكيّة الناشئة من الخالقيّة، قال تعالى: (إِنْ كلّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأَرْضِ إِلاّ آتِي الرَّحمن عَبْداً) (مريم:93). ثانيًا: العبوديّة الوضعيّة: ومنشؤها وضعُ الإنسان، حيث وضَعَ العبوديّة على مَن غُلِب في الحرب، وقد أمضاها الشرع بشروطٍ ذكرتها الكتب الفقهيّة، كالعبوديّة التي ينسِبُها تعالى إلى مَن يتملّكهم المسلمون في الحرب، قال تعالى: (وَأَنْكِحُوا الأَيامى مِنْكُمْ وَالصّالِحينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ...) (النور:32). ثالثاً: العبوديّة بمعناها اللغويّ: وتعني الطاعة، وقد فسّرها بذلك أصحاب المعاجم، وهو المعنى المقصود من تعبيد الأسماء لغير اسم الله تعالى، فعبدُ الرسول بمعنى مُطيعه، وعبدُ الحسين بمعنى مطيعه، وهكذا.. فإذا أضفنا إلى ما تقدّم، أنَّ ما من إماميٍّ يقصد بهذه التسمية معنى العبوديّة والتألُّه اندفعت شبهة كون التسمية بهذه الأسماء من الشرك الأكبر. ومن العجيبِ حقًا افتراءُ الفوزان على جماعة بأكملها أنّهم عُبّادُ قبور، والادّعاء -من دون دليل- أنّهم يقصدون بهذه التسمية التألُّه! ومن ثمَّ فهم مشركون به (سبحانه) بالشرك الأكبر! فهذهِ كتبهم تشهدُ على براءتِهم، إذ إنَّهم لا يقصدون بزيارتهم القبور ولا من التسمية التعبُّد والتألُّه قطّ، وقد بيّنوا مرارًا وتكرارًا أنَّ للعبادة ركنين: ماديّ وهو هيئة الخضوع الظاهري للفعل، ومعنويّ وهو قصد عبادة المخضوع له عند الإتيان بذلك الفعل. ولا يُمكن أن يكون أيّ فعلٍ عبادةً وإنْ كان من أجلى مصاديقها ما لم يقترن بقصد العبادة، وإلّا لكان سجود الملائكة لآدم عبادةً أيضًا. وعليه، فإنْ لم يُلمس قصدهم من زيارة القبور عبادتَها من كتبِهم التي يعتمدون عليها في معرفة عقائدهم، فأنّى له ذلك؟! فهل شقَّ صدورَهم، أمّ اطّلعَ على ما تُسِرُّهُ قلوبُهم؟! وأمّا كونها من الشرك الأصغر (شرك الطاعة)؛ فهي مدفوعةٌ بنصّ القرآن الكريم: (أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) (النساء:59). فقد أوجب (تعالى) على الـمسلمين طاعة النبيّ (صلى الله عليه وآله) وأولي الأمر (عليهم السلام)، ومن سُبل إبراز هذه الطاعة تسمية الأبناء بهذه الأسماء. فالمسمّى بـ(عبد الرسول) هو عبدٌ لله وللرسول (صلى الله عليه وآله) في آنٍ واحد، ولكن كلّ عبوديّة منهما بمعنىً مُغاير عن المعنى الآخر، فهو عبدٌ لله (تعالى) بالعبوديّة التكوينيّة، الناشئة من الخالقيّة، وهو عبدٌ للرسول (صلى الله عليه وآله)عبوديّة طاعة. .............................. (1) إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد: ج3، ص361. * صالح الفوزان: شيخ وهابي، علامة بالنسبة إليهم.