رياض الزهراء العدد 163 شمس خلف السحاب
شِمرٌ آخَرُ
كم مرّة احترقتُ؟ لم أعد أتذكّر، فالحسرة أشدّ قسوة من احتراقي في نيران جهنّم، أجبته عندما سألني وبدت على محيّاه علامات الاستغراب: فأيّ حسرة تلك التي تجعلكَ تفقد الإحساس بلهيب يُحرق جميع ذرّات جسدكَ؟! سأروي لكم قصّتي، كنتُ من المنتظرين، أو هكذا حسبتُ نفسي، كنتُ أسعى لأكونَ من أتباع الإمام، فأخذتُ أتّبع الأسباب، وأطرق الأبواب، وأسكب العَبرات، وأخطّ العِبارات في سَهدي واشتياقي، فوضعتُ قدميّ على أول الطريق فأصبحتُ في الظاهر من المنتظرين، ولكن بدأ العُجب بما أعمل يكبر يوماً بعد يوم، فقد أصبح لي أتباع ينفخون في النفس غرورها، ومثلما قال الإمام عليّ (عليه السلام): "خَفق النعال خلف أعقاب الرجال مفسدة لقلوب النوكى*"(1) فأصبح الحقّ ما أراه أنا، والصدق ما أقوله أنا، والعدل ما أحكم به أنا، واجتمعت شياطيني عليّ، تلك التي كانت قابعةً في دهاليز نفسي المظلمة، وحثثتُ الخطى أتّبعها مغمض العينين حتّى استحققتُ ما أنا فيه، فقد واجهتُ مَن كنتُ أدّعي انتظاره في المعركة، فدعوته لا تتناسب مع مصالحي لذلك بذلتُ جهدي للفتك به، حتّى إنّي طعنته في قلبه، فكنتُ شمراً آخر لم يعرف إمام زمانه رغم مواجهته، فمَن لا تعرفه البصيرة لا يعرفه البصر، فقد عميت بصيرتي باتباعي هوى نفسي، والشيطان زيّن لي عملي، فلم تعد عيناي تُبصران نور شمس الهداية التي أشرقت على السماوات والأرضين. ............................ (1) ميزان الحكمة: ج4، ص189. * النوكى: الحمقى.