عِبادُ الرَّحمنِ وَالدَّرَجَاتُ العُليا

الشيخ حبيب الكاظمي
عدد المشاهدات : 141

السؤال: نحن ثلّة مِن الصديقات اللواتي سِرنا في طريق تذوّق حلاوة القرب من الله تعالى، فعشنا حالةً من الأنس مع ربّ العالمين بحيث لا نشعر بالوحشة، إلّا أنّني اختلف عن صديقاتي حيث ابتعدتُ تدريجياً عن أهلي وأصدقائي، ولم أعد آنس بحديثهم، وتغيّرت نظرتي إلى الجلوس معهم، فلا أجد فائدة في ذلك، وهذا يجعلني أخشى من الوقوع في العقوق، أو إيذاء الآخرين بغير قصد، فهل لكم من نصيحة تجعلني أعيش مع أفراد عائلتي ومجتمعي ولا أتأثّر بسلبيّاتهم؟! مضمون الردّ: في الحقيقة، إنّ من أحلى مراتب الحياة لدى الإنسان أن يعيش حالةً القرب من الله تعالى، ويراه في كلّ حركاته وسكناته، فهو يعيش حالة من الذكر الدائم، ولا ينالها إلّا ذو حظّ عظيم.. ولكن يجب الانتباه، فليست كلّ حالة قرب من المعبود تستوجب البُعد عن الناس، فلا بدّ من أن نتأمّل في هذه الآيات.. قال تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) (الفرقان:63)؛ لأنّ هذه الصفات فيها تربية للإنسان والمجتمع، ويفترض بالإنسان المسلم أن يلتزم بها؛ فهي ليست مجرّد قِيم أخلاقيّة فقط، وإنّما أحكام شرعيّة يلزمنا بها الشرع. (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ( استعمال كلمة (العباد) على نحو الجمع.. يدلّ على أنّ الحركة إلى الله تعالى إذا كانت في ظلّ جماعة فإنّها أبلغ في الوصول.. حيث إنّ هناك فرقًا بين إنسان يسير لوحده في الطريق، وبين إنسان يمشي مع الجمع.. والسرّ في ذلك أنّ الحالة الجماعيّة حالة مربيّة، فالذين يريدون أن يتكاملوا ويتعالوا في إيمانهم، لا بدّ من أن يكونوا في ظلّ هذا الجوّ الجماعيّ، وإلّا فلماذا جاء التأكيد على الأجر العظيم لصلاة الجماعة؟ حتّى أنّه رُوي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "أتاني جبرئيل مع سبعين ألف ملك بعد صلاة الظهر، فقال: يا محمّد، إنّ ربّكَ يُقرئكَ السلام وأهدى إليكَ هديتين... قُلتُ: يا جبرئيل، ما لأمّتي في الجماعة؟ قال: يا محمّد، إذا كانا اثنين كتبَ الله لكلّ واحدٍ بكلّ ركعة مائة وخمسين صلاة... فإن زادوا على العشرة فلو صارت السماوات كلّها مداداً والأشجار أقلاماً والثقلان مع الملائكة كتّاباً لم يقدروا أن يكتبوا ثواب ركعة "(1)؛ وذلك لأنّه سبحانه وتعالى يريد منّا أن نكون في ظلّ هذا المجموع، وفي عالم العناية الإلهيّة، وخاصّة الشباب. إنّ هذا الزمان، ليس بزمان الترقّي عن طريق المجاهدة، حيث إنّ حياتنا اليوميّة، ليس فيها معاناة كثيرة في سبيل الله تعالى، فالإيمان لا يكلّف الإنسان شيئاً، إذ بإمكان المؤمن أن يستمتع بهذه الحياة بطرقها المحلّلة، بينما الدرجات العُليا، والكمالات الأخلاقيّة، لا تُنال إلّا عن طريق بذل شيء ما في طاعة الله تعالى. إنّ إبراهيم (عليه السلام) مع عاطفته الأبويّة همّ بذبح ولده إسماعيل لمنام رآه: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ( (الصافات:102) وما قام به الخليل (عليه السلام)، هي عيّنة من عيّنات المجاهدين في سبيل الله تعالى، إذ ليس بالأمر الهيّن أن يُقدم إنسان على ذبح ولده. .......................... (1) مستند الشيعة: ج ٨، ص3.