رياض الزهراء العدد 163 تنمية البشرية
أَوقِفْ سَوْرَةَ الغَضَبِ
لعلّ من أكثر الأمور التي تزعج العوائل في مسار تربية الأطفال وتشييد البناء التربويّ المتميّز والعش الزوجيّ الهانئ هو عدم القدرة على التحكّم بالغضب، وما يرافقه من ردود أفعال سلبيّة مثيرة لكلّ مشاعر الأذى لدى الأطراف المشاركة في الإطار الأسريّ البسيط الذي يجمع في طيّاته مجموعة من الأفراد تربطهم العديد من الأواصر الإنسانيّة الوشيجة. إنّ أبسط تعريف للغضب هو ذلك الشعور بالتوتّر والهيجان، وتتراوح درجاته بين الخفيف والشديد وتترتّب عليه آثار جسديّة عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر ارتفاع معدّل ضربات القلب، وسرعة التنفّس، وغالباً ما ينجم عنه سلوكيّات غير جيّدة تؤذي الطرف المقابل سواء جسدياً أم نفسيّا ًوربّما لفظيّاً. ولعلّ من أبرز العوامل التي تؤدّي إلى إشاعة تلك السلوكيّات المؤذية للآخرين هي إعطاء الضوء الأخضر والشرعيّة لإثبات الوجود بالقوّة التي ربّما لا يمتلك صاحبها غيرها للتعامل مع الآخرين، فنجد المحيط يعزّز هذا التصرّف لدى الطفل بدعوى أنّه مثل فلان تماماً، ومن ناحية أخرى تعلو المطالبات بألّا لا يتّصف بالجُبن، وعليه يجب أن يأخذ حقّه بيديه، هذا إضافة إلى ما يشاهده على القنوات التلفزيونيّة والألعاب التي تجسّد دور البطل الافتراضيّ بالقوّة الجسديّة والبطش بكلّ مَن يقف في وجهه لينال ما يريد من حاجات. فينمو لدينا هذا الإنسان الذي هو جزء من المجتمع بموروث متأصّل في ذاته لمعنى مغلوط عن أخذ الحقّ، ولا يقتصر هذا الأمر على الرجال فقط، بل تشترك بمظاهر سَوْرة الغضب النساء أيضاً، فتفرغ الأمّ جام غضبها على مَن لا حول لهم ولا قوّة من أطفال صغار بين يديها، لتعود هذه العجلة بالدوران مرّة أخرى. وإنّ أفضل وصف لسَوْرة الغضب تلك هي قول الإمام الباقر (عليه السلام): "إنّ هذا الغضب جمرة من الشيطان تُوقد في قلب ابن آدم، وإنّ أحدكم إذا غضِب احمرّت عيناه، وانتفخت أوداجه"(1)، والمتأمّل في هذا الحديث ستدبّ في قلبه الرغبة في التغيير الذاتيّ والتخلّص من هذه الصفة السلبيّة إلّا إذا كانت غضباً لله عزّ وجل، فهو الغضب في الحقّ. نضع بعض الخطوات البسيطة لنتمكّن من التحكّم بالغضب بعون الله تعالى وهي كالآتي: إنّ الغضب هو بركان يثور إلى الخارج فيدمّر كلّ ما يحيط به، وعندها يشعر المرء بالحاجة إلى تحطيم المقتنيات، أو ضرب أحد ما، وما إلى ذلك من أفعال، وللتخلّص من هذه الفورة يجب علينا أن نخدع العقل حيث إنّه يحتاج إلى جهد عضليّ كبير لتنفيذ ما سبق ذكره من سلوكيّات، فيجب هنا إيصال الجسد إلى الجهد العضليّ لخداع العقل مثل القفز، أو الصعود والنزول من السلّم، والحركة السريعة، فستصل رسائل إلى الدماغ بأنّ هناك جهداً كبيراً قد بُذل، ثم تليها خطوة تغذية الدماغ بالأوكسجين حتّى يتمكّن من اتخاذ القرار الصحيح عوضاً عن تعنيف الآخرين. خطوات بسيطة لكنّها ذات أثر بالغ لخلاصنا من إيقاع الأذى بالآخرينِ، وفي الوقت ذاته تُخلّصنا من مشاعر الندم التي قد ترافق الشخص لسنوات طويلة. .......................... (1) مستدرك سفينة البحار: ج 2، ص95.