"أَصلَحُ... لِبدَنِكَ وَأزكى لِعقلِكَ"(1)
ليلى: ذكرنا أنّ الإيمان علاج للكسل وقوّة الإنسان في روحه، والإيمان حياة ومناعة وقوّة للروح وللمتابعة نتطرّق إلى حلٍّ وعلاجٍ ثانٍ وهو قلّة الأكل والنوم، وحتّى تتّضح فاعليّة هذا العلاج لا بأس أن نعرف دور كثرة الأكل والنوم في وجود الكسل عن طريق بعض الروايات. بتول: ما المشكلة في أن ينام الإنسان كثيرًا؟! ليلى: هناك ارتباط بين كثرة الأكل وكثرة النوم، والمشكلة في كثرة النوم أنّه يُكسل الإنسان عن أداء العبادات كالصلاة، ويحرمه منها سواء صلاة الليل أو الصلاة الواجبة، وفي نهاية المطاف يكون في عِداد الغافلين. هدى: تحضرني رواية تُبيّن العلاقة بين الأكل والنوم، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "مَن شبع عوقب في الحال ثلاث عقوبات: يُلقى الغطاء على قلبه، والنعاس على عينه، والكسل على بدنه"(1) أي إنّه يكون جيفة في الليل وبطّال في النهار. ليلى: مَن منكنّ تستحضر شاهداً آخر من روايات رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام)؟ حميدة: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: "إيّاكُم وفُضولَ الطَّعامِ؛ فَإِنَّهُ يَسِمُ القَلبَ بِالقَسوَةِ، ويُبطِئُ بِالجَوارِحِ عَنِ الطّاعَةِ، ويُصِمُّ الهِمَمَ عَن سَماعِ الـمَوعِظَةِ"(2) الفضول هو الزائد من الطعام الذي لا يحتاج إليه البدن. زينب: لماذا يُتجنّب؟! ليلى: أولاً: لأنّه يسم القلب بالقسوة ويُميته، فتُسَدُّ منافذه فلا يدخل فيه نور من معرفة وموعظة. وثانياً: يبطئ الجوارح عن الطاعة، والطاعة عنوان واسع، فهي أيّ فعل فيه رضا لله تعالى، ومن ثمّ عدم التوفيق للطاعة. وهناك روايات تذكر أنّ مَن قلّ أكله يكون نشيطاً وحيوياً، فعن الإمام الرضا (عليه السلام) أنّه قال: "...وارفع يديكَ منه -أي الطعام- وبكَ إليه بعض القرم وعندكَ إليه مَيل، فإنّه أصلح لمعدتكَ ولبدنكَ وأزكى لعقلكَ، وأخفّ لجسمكَ"(3) فالعقل عندها يعمل ويشتغل ويفكّر بصفاء لا ضبابيّة فيه، وهذا ما يورثه الاعتدال في الأكل. حوراء: استحضر مقطعاً من رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (عليه السلام): "وَأَمَّا حَقُّ بَطْنِكَ فَأَنْ لا تَجْعَلَهُ وِعَاءً لِقَلِيلٍ مِنَ الْحَرَامِ وَلا لِكَثِيرٍ، وَأَنْ تَقْتَصِدَ لَهُ فِي الْحَلالِ...فَإنَّ الشَّبْعَ الْمُنْتَهِي بصَاحِبهِ إلى التُّخمِ مَكْسَلَةٌ وَمَثْبَطَةٌ وَمَقْطَعَةٌ عَنْ كلّ برِّ وَكَرَمٍ..."(4). ليلى: وأمّا بالنسبة إلى العلاقة بين كثرة النوم وقلّة العمل، أو انعدامه فإنّ كثير النوم أيضاً قليل العمل أفنى عمره القصير بلا عمل ولا إنتاج، فيأتي يوم القيامة فقيراً لا حسنات تؤهلّه لدخول الجنّة. وهذه بعض الروايات التي تؤكّد هذه العلاقة: الرواية الأولى: عنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه الصادق (عليه السلام) أنّه قَالَ: "كثرة النوم مذهبة للدين والدنيا"(5). الرواية الثانية: عنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه الصادق(عليه السلام) أنّه قَالَ: "إنّ الله يبغض كثرة النوم وكثرة الفراغ"(6). الرواية الثالثة: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: قالت أمّ سليمان بن داود: "يا بنيّ إياكَ وكثرة النوم بالليل فإنّ كثرة النوم بالليل تدع الرجل فقيراً يوم القيامة "(7). فهنا نستخلص أنّ كثرة النوم المتولّد من كثرة الأكل يكون حسرةً ووبالاً على صاحبه. يتبع... .................................. (1) شرح نهج البلاغة: ج٢٠، ص ٣٢٠. (2) ميزان الحكمة: ج١، ص ٨٩. (3) ميزان الحكمة: ج١، ص 85. (4) بحار الأنوار: ج71، ص12. (5) الكافي للكليني: ج5، ص125. (6) ميزان الحكمة: ج١، ص271. (7) بحار الأنوار: ج13، ص134.