عِقَابُ الآباءِ للأبناءِ.. تَكتِيكٌ تربويٌّ، أَم إِهانَةٌ وضَرَرٌ
تزايدت وتيرة العنف ضدّ الأطفال في المجتمع العربيّ، ففي كلّ يوم تتصدّر وسائل التواصل الاجتماعيّ ووسائل الإعلام أخبار عن اعتماد الكثير من الأسر في أسلوب تربيتهم على الضرب، إذ يقومون بضرب أطفالهم، ويعتقدون أنّ الضرب موضوع تأديبيّ، وهو الأسلوب الوحيد القادر على تعليم الأطفال الصواب، ففي تحقيقنا سنركّز على وهم التربية بضرب الأطفال؛ فهم أمانة الحاضر، والمستقبل النفسيّ والتربويّ للطفل يعتمد على الأولياء لذا كان السؤال المحوريّ لذوي الاختصاص هو كيف نربّي أطفالنا؟ وما الأساليب الأصحّ للتعامل معهم؟ هل الشدّة مطلوبة أمّ اللين، وما حدود كلّ منهما؟ هذه الأسئلة والكثير غيرها، فرضت وجودها، ودعتنا إلى استقصاء سُبل تعامل الأهل مع أولادهم من النفسيّين والتربويين. دراية وحماية توضّح السيّدة (أنعام حميد الحجية/ تربويّة) بأن تبحث الأمّ عن وسيلة ردع غير الضرب والعقاب، وأن لا يتجاوز حدّ اللمس مصحوبًا بالتوجيه، وأمّا الضرب بقسوة مثلما تفعل بعض الأمّهات فهذا الأمر يتناقض مع ما جُبلت عليه الأمّ من حنان، وهذا يجعلنا نبحث عن السرّ الذي يكمن وراء هذا السلوك القاسي، فضرب الأطفال تعبير عن التعب الذي تعانيه الأمّ والحاجة إلى المساعدة، أو التعويض عن سوء معاملة الأهل، أو أن يكون الدافع هو الحالة الماديّة التي تعيشها الأسرة، فلماذا يتركّز التنفيس والغضب على رأس الطفل وحده؟ لأنّه الأكثر التصاقًا بالأمّ، ويسبّب لها المضايقة، وحلّ المشكلة بحسب ما أرى أن تزول الأسباب الداعية إلى الضرب في معرفة بيت الداء، ليبدأ العلاج، سواء في الأمور الاجتماعيّة أم الأمور الماديّة، وعلى كلّ أمّ أن تطرح على نفسها سؤالاً مهمّاً: كيف لي أن أختار منهجاً خاصّاً بي في التربية؟ والأمثلة واضحة سواء على صعيد البيئة المحيطة أم الموروث الثقافي للمجتمعات الإسلاميّة، وتسأل الأمّ نفسها: هل هذه الوجوه البريئة تستحقّ الضرب؟ وهذا يكون عن طريق التوعية الشاملة للأمّ قبل الولادة، وإذا لم تكن التوعية موجودة فمَن يحمي الأطفال من أمّهاتهم؟ الأمّ المدركة مِن جِهته يوضّح (كريم صيّاح الحسن/ إعلاميّ) من أنّه لا يوجد آباء قساة على أبنائهم، وإنّما يوجد آباء مدركين من أنّ ذلك الطفل لا يعيش في الحياة لوحده، فالمجتمع فيه أفراد ذوو شخصيّات وأهواء مختلفتين؛ لذلك يراقب الآباء عن بُعد أبنائهم وهم يفكّرون في إيجاد حلّ لأيّ مشكلة تصادفهم، فعلى الآباء أن لا يتسرّعوا في التدخّل وإغراق أبناءهم بالمساعدة في كلّ كبيرة وصغيرة؛ ليتعلّم الأبناء إيجاد الحلول، حتّى لا يتربّوا في نمط شخصيّة اتكاليّة، ففي نظري هؤلاء الآباء يمتلكون خزيناً من الحبّ العاقل الذي لا يُفسد تربية أبنائهم، ويتعوّدون وَفق نهج صحيح في التعاملات، ويكون هذا الحبّ بمثابة قاعدة للابتعاد عن صفات الأنانيّة والغيرة، إضافة إلى أنّهم الأكثر نجاحًا في الدراسة والعمل، فقد تعوّدوا على احترام النظام والالتزام، لافتاً إلى أنّه وعن طريق تجربته اكتشف مدى فعاليّة هذا النوع من التربية، ممّا يجعلهم أكثر قدرة على التعامل مع المجتمع. الحوار وتقول أميرة حميد حمّادي/ مهندسة: أوّل مبدأ لابدّ من أن يوضع في التربية السليمة هو الحوار وليس الضرب، وهناك دروس تربويّة كثيرة تعلّمناها من المدرسة الأولى وهي البيئة المحيطة بنا، إضافة إلى السعي الإعلاميّ للقضاء على الأميّة التربويّة، فبعض الأمّهات يستصعبنَ تحمّل فوضى الطفل أو حركته، فيكون الضرب أقرب عقاب للطفل؛ ليكون الوسيلة الوحيدة في الثواب والعقاب. في قاموس التربية ويضيف محمّد مهديّ محمّد باقر / تربويّ: قد يكون في بعض الأحيان الضرب هو الوسيلة الوحيدة التي قد تردع الطفل، نحن نتحدّث عن الضرب الخفيف وليس الضرب المبرح الذي يسبّب ندوباً في جسد الطفل وروحه، ويبقى في خاتمة القضيّة أنّهم آباء وهم أعلم بمصلحة فلذّات أكبادهم، لكنّ الذي نخشاه أن تكون تلك العقوبة الموجّهة إلى الطفل هي ترسّبات لمعاناة في قلب الأمّ، ليكون الطفل هو متنفّسها الوحيد من جرّاء ما تحمله من ضغوطات الحياة ومسؤوليّاتها، متناسية أنّ الزمن بين طفولتها وطفولة أبنائها قد تغيّر، مشيرًا إلى أنّ العقاب يكون على قدر الخطأ وما هو خطأ بسيط يستلزم الحوار، أمّا الخطأ الخارج عن المألوف فيستلزم الضرب المقبول وغير المؤذي. السند وتُحدّثنا (د. سهام حسن عليّ/ متخصّصة في علم النفس التربويّ) من أنّ الأطفال لا يعرفون ولا يفهمون لماذا يضربهم والداهم؟ لم يكتمل لديهم النموّ اللازم ليدركوا أنّ الضرب سببه العقاب بسبب السلوك الخاطئ الذي قاموا به، والضرب يعزّز سلوك العنف عند الطفل، وهو يفكّر بأنّ الضرب من حقّه مادامت أمّه تضربه، فتراه يردّ الضرب هو الآخر، وإذا تعوّد الضرب سيصل إلى مرحلة التحدّي، والضرب يدعم سلوكيّات التمرّد والعنف والفساد والسلبيّة وضعف الثقة بالنفس، وبذلك يستسلم لعنف أيّ شخص من دون الدفاع عن نفسه. لنتذكّر من أنّ مَن لا يَرحم لا يُرحم؛ لنصل إلى أنّه لا يزال الوعي التربويّ هو حليف الأسرة العربيّة في الاتّفاق فكريّاً وثقافيّاً على مواجهة ظاهرة العنف إنسانيًّا، ومنع تفشّيها في دائرة الآباء، لكنّ هناك أموراً لا يمكن تخطّيها في الفنّ التربويّ، وهناك اتّفاقاً موحّداً بين الآباء على أنّ التربية تحتاج إلى شيء من الحزم؛ لكنّها لا ينبغي أن تصل إلى حدّ العنف؛ لينشأ جيل ينعم بصحّة جسديّة ونفسيّة وعقليّة جيّدة.