"ضَياعُ العُقُــولِ في طَلبِ الفُضُــولِ"(1)
عبثاً حاولت أمّ زهراء تغيير الحديث، ولم تُفلح أمّ حسين بِلطفها أن تشغل أمّ نبأ (الجارة الفضوليّة) عن اهتمامها المستمرّ بأخبار مَن أتى ومَن ذهب ومَن كان معه، لماذا، كيف... - أمّ زهراء: (وهي تواجه سيل أسئلتها المتدفّق، واستنتاجاتها عن أحوال الجار الجديد).. أولاً: لا يمكننا الحكم عليهم؛ لأنّنا لم نعرف بعد شيئاً عنهم، وتأديتينا واجب الضيافة في اليوم الأول لا يُعطينا حقّ التدخّل في شؤونهم الخاصّة، وثانياً: إنّ ما يهمّنا ويعنينا مِن أمرهم ألّا يسبّبوا أذىً لباقي الجيران. - أمّ عليّ: أتعلمين يا أمّ نبأ إلى ما تقودنا أسئلتكِ واستنتاجاتكِ؟ - أمّ نبأ: أنا لم أقصد شرّاً، لِمَ هوّلتنّ الموضوع؟! - أمّ زهراء: لأنّه فعلاً كذلك. - أمّ حسين: إنّ تتبعّكِ أخبار الآخرين يُوقعنا في أوّل طريق غضب الله تعالى ومخالفة أوامره. - أمّ نبأ: وكيف ذلك؟ إنّها مجرّد أسئلة. - أمّ عليّ: لأنّ الله تعالى نهانا عن مثل هذه الأخلاق مثلما جاء في الكتاب الكريم: (وَلَا تَجَسَّسُوا..( (الحجرات:١٢). - أمّ زهراء: ثمّ أيّ فائدة تُجنى من معرفة هذه التفاصيل الخاصّة؟ - أمّ عليّ: لا فائدة غير تضييع الوقت والجهد النفسيّ، فعن الإمام عليّ(عليه السلام): "مَن شغل نفسه بما لا يجب ضيّع مِن أمره ما يجب"(2). - أمّ زهراء: نعم، لأنّ ملاحقتكِ الآخرين لمعرفة ما حصل، وصرف ذهنكِ وتفكيركِ يكلّفكِ جهداً ووقتاً أنتِ وأسرتكِ أولى بها. - أمّ حسين: يحضرني قول الإمام عليّ(عليه السلام) "مَن اشتغل بغير المهمّ ضيّع الأهمّ"(3) فالأهمّ هو مراقبة أنفسنا، وأخلاقنا، وأعمالنا، فلا ننشغل بغيرها. - أمّ عليّ: لابدّ لنا من أن نقف عند نقطة مهمّة جداً أشار إليها صادق العترة الطاهرة(عليهم السلام) إذ قال: "ولا تقطع النهار بكذا وكذا فإنّ معكَ مَن يحفظ عليكَ"(4) - أمّ زهراء: يُروى عن الإمام عليّ(عليه السلام) قوله: "ضَياع العقول في طلب الفضول"(5) - أمّ حسين: في حديث عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) يُثني به على مَن ترك ما لا يعنيه: "أعظم الناس قدراً مَن ترك ما لا يعنيه"(6) - أمّ زهراء: وعنه (صلى الله عليه وآله) في التأكيد على ترك مالا يعنينا، ممّا لاشكّ فيه أنّ به حكمة عظيمة، منها الراحة النفسيّة للفرد: "راحة النفس ترك ما لا يعنيها"(7) - أمّ عليّ: أمّا فائدته للمجتمع فهو احترام خصوصيّة كلّ بيت وحسن الظنّ بما يُرى. - أمّ نبأ: حسناً، حسناً سأقسم أنّي لن أتدخّل حتّى لو رأيتُ بيتاً يحترق. - أمّ زهراء: لا سمح الله، لا يعني ما قلنا التقصير في المساعدة أو ترك المشاركة في أفراح الآخرين وأحزانهم، ممّا يتطلّبه حقّ الجار وحقّ الأخوة. - أمّ نبأ: ولكن أحتاج منكم التنبيه الدائم أيتّها الجماعة الخيّرة، فمن الصعب عليّ ترك ما اعتدتُ عليه. - أمّ حسين: لا بأس بأن يذكّر أحدنا الآخر لما فيه رضاه تعالى، هذا حقّ الإخوان فيما بينهم. ................................... (1) ميزان الحكمة: ج٧، ص٤٠. (2) ميزان الحكمة: ج٤، ص٣٤. (3) ميزان الحكمة: ج٤، ص٣٤. (4) ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: ج١٤، ص٣. (5) ميزان الحكمة: ج٧، ص٤٠. (6) مستدرك سفينة البحار: ص١. (7) ميزان الحكمة: ج٤، ص٣٣.