رياض الزهراء العدد 163 لحياة أفضل
كُونِي كَالنَّحلَةِ: تَشبِيهٌ نَبوِيٌّ بَليغٌ
مع إشراقة كلّ صبح جميل تهبّ إلى العمل، تنتقل من زهرة إلى أخرى لتصنع العسل، شعارها التعاون ودِثارها الأمل، إنّها النحلة، مخلوق مبارك تحدّث عنها الكتاب العزيز، وضُرِب لنا في الروايات بها المَثَل، تُرى لِمَ لا نكون مثلها في عملها ونشاطها، ودقّتها وهمّتها، وجميل صُنعها وعظيم أثرها؟ كوني كالنحلة سلسلة مقالات هادفة، تأخذكم في جولة رائعة إلى عالم النحل العجيب، وتدعوكم إلى العمل الدؤوب، تبدأ سلسلتنا بحديث الرسول (صلى الله عليه وآله) الذي يقول فيه: "مَثَل المؤمن كمَثَل النحلة، إن أكلت أكلت طيباً، وإن وضعت وضعت طيباً"(1). يا له من تشبيه جميل يظهر فيه النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) رائعة من روائعه، يدعونا عن طريقها إلى التأمّل في واحدة من مخلوقات الله تعالى وعجيب بدائعه، إذ يشبّه النبيّ (صلى الله عليه وآله) المؤمن بالنحلة فيما يأخذ ويُعطي، ولا شكّ في أنّ هذا التشبيه النبويّ يدعونا إلى الاطلاع على عالم النحل البهيّ؛ لنجمع هدياً إلى هدي، فتتفاعل المعاني، وتكتمل الصُّور، ويتعمّق الوعي، فنتحرّك في الحياة بشكل سويّ، ولا بأس أن نتوقّف هنا عند ثلاث إشارات مهمّة: 1. النحلة تأكل الطيّب: فهي تتغذّى على رحيق الأزهار وسكّر الثمار، وكذلك ينبغي أن يكون المؤمن، فلا يأكل إلّا الطيّب الحلال، ولا يدع الحرام يدخل إلى جوفه أبداً مهما كانت الظروف والأحوال. 2. نتاج النحلة طيّب: فمثلما أنّ النحلة لا تأكل إلّا الطيّب كذلك هي لا تعطي إلّا الطيّب، إذ تنتج العسل الذي هو غذاء ودواء، وهكذا ينبغي أن يكون المؤمن فلا يأتي منه إلّا كلّ خير وكمال وعطاء، فمثلما يرجو الناس العسل من النحل ولا يخشون أن تفرز سمّاً قاتلاً مثلما تفعل الأفاعي، كذلك يُرجى من المؤمن العمل الصالح والأثر الطيّب، فعن أمير المؤمنين(عليه السلام) أنّه قال: "المؤمنون خيراتهم مأمولة، وشرورهم مأمونة"(2). 3. النحلة كائن إيجابيّ: فالنحلة إن وقعت على عُودٍ نَخِرٍ متآكل لم تكسره؛ لأنّها خفيفة المؤونة، لا تثقل على أحد، والكون منها في راحة، وهكذا ينبغي أن يكون المؤمن كائناً معطاءً مباركاً بنّاءً يعمل دوماً للخير، ويسعى إلى ترك بصمة مميّزة في الحياة. ................................ (1) ميزان الحكمة: ج4، ص71. (2) ميزان الحكمة: ج1، ص227.