رياض الزهراء العدد 163 لحياة أفضل
ليلٌ يَعقُبُهُ نَهارٌ
إن كانت هناك حقيقة ثابتة واحدة في هذا الكون، فستكون حقيقة أنّ كلّ شيء قابل للتغيير، كلّ شيء عليه أن يتغيّر، كلّ شيء سيتغيّر، الليل يعقبه نهار، والصيف يليه خريف، الناس تُولد وتموت، الحضارات تزدهر وتفنى، كلّ شيء مآله التغيير. التغيير عمليّة متراكمة من المعرفة والأيّام، والجهود للحفاظ على الالتزام بالعادات والمشاعر والأفكار الجديدة، يقول المثل البلغاري: (يستطيع الذئب تغيير جلده لا تغيير طبعه)، أي أنّ التغيير لا يتحقّق إلّا بتغيير ما في الداخل، حتّى إن بدا لنا أنّ هناك تغييراً ما بالخارج. هنا نصطدم بالسؤال الأكثر أهميّة ونحن نلاحظ المآسي من حولنا، أشخاص يخطئون، وأشخاص يعانون، فكيف نغيّرهم؟ كيف نصنع تغييراً ما في دواخل الآخرين؟ كيف نحسّن مجتمعنا؟ لنطرح سؤالاً مبدئيّاً: هل نحن أفضل حقّاً؟ ما دليلنا على ذلك؟ ثم بعدها لنطرح السؤال الآخر: هل الآخرون يخطئون، أم لديهم شخصيّات مختلفة عنّا فقط؟ إن كان لدينا أجوبة مقنعة، وكنّا أفضل فعلاً من نواحي معيّنة، نأتي إلى الخطوة التالية، إنّنا نستطيع القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبأحسن أسلوب وأفضل طرق عندما يتعلّق الأمر بالمحرّمات، لكن هناك الكثير من الأمور التي قد تعدّها أنتَ خاطئة وهي ليست حراماً، مثل عدم الحصول على درجات مرتفعة في الدراسة وغير ذلك، وكلّ ما بإمكاننا فعله هو لفت انتباه الشخص إلى وجود خيارات مختلفة ربّما تكون أفضل، لكنّنا لا نستطيع تغيير قناعاته الخاصّة حتّى لو كان أحد أبنائنا أو شريكنا في الحياة. الله يقول في محكم كتابه الكريم: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ( (الرعد:11) حتّى الله القادر الملك الجبّار يُرشد المرء إلى التغيير، ويعينه على التغيير لكنّه لا يغيّره؛ لأنّه منحه حريّة الإرادة مع عقل رشيد قادر على اتخاذ القرارات. إنّ أسرع تغيير يمرّ به الإنسان هو الموت، الموت يحدث في لحظات ومن دون إرادة شخصيّة من المرء، عدا هذا فالتغيير الذاتي لا يحصل بسهولة، بل إنّ التغيير إطاعةً لشخصٍ آخر سيُفِقد الإنسان فرادته وسحره، ممّا يجعله نسخة مملّة عديمة القيمة، وقد يجعله ذلك يكره مَن تسبّب في تغييره حين ينتبه إلى أنّه ما عاد ذاك الشخص نفسه الذي كان عليه قبل سنوات. كلّنا يحبّ نفسه ونثق بأنّنا نُحسن صنيعاً وإن لم نكن كذلك، وسننفر من أيّة نصيحة مباشرة، أو إجبار على التغيير، بل قد نكون أكثر عناداً ونُصبح أكثر تطرّفاً، والآخرون مثلنا أيضاً، لديهم حياتهم التي يحبّونها وراضون بها، وعندما يأتي الوقت المناسب سيتغيّرون بالطريقة التي تناسبهم، وتجعلنا نحبّهم ونحترمهم أكثر، ولن يصبحوا نُسَخاً مملّة عنّا.