رياض الزهراء العدد 81 لحياة أفضل
البُيوتُ أَسرَار_ضرب الزوجة
حينما نسمع أن رجلاً ضرب زوجته نشعر كيف بلغت به القسوة للقيام بفعلٍ كهذا فيما إذا كان قد ترك آثاراً بالغة في جسدها أو في نفسيتها، والأخيرة أثرها أشد، ونسي الزوج قول الرسول (صلى الله عليه وآله): "المرأة ريحانة وليست قهرمانة"(1)، وهذا ما شكته الزوجة (ل.ع) عن كيفية معاملة زوجها لها: تزوجنا بعمر صغير، ولم أستطع بعد زواجي أن أكمل دراستي للمشاغل الكثيرة التي تشغلني عن الاهتمام بعائلتي وبزوجي، لكن زوجي استمر بالدراسة، وبعدها دخل إلى الجامعة وبدأت معاملته تتغيّر معي، فبدأ يتعصّب لأبسط الأمور، ولم يَعُد يهتم بأطفاله ولا بي كما في السابق، وكنتُ أتحمل كلّ هذا... إلى أن وصل الأمر إلى ضربي وبقسوة، وصبرت على هذا الأمر أيضاً، وفي آخر مرة كانت ضربته لي شديدة مما سبب لي كسوراً في جسمي، وآثاراً أُخر بالغة، مما أدى إلى دخولي إلى المستشفى، ورفعت بسبب هذا الأمر شكوى إلى المحكمة كي أنفصل عنه، فمهما حاولت أن أتفاهم معه لم أصل إلى نتيجة، وكذلك عائلتي لم يقدروا على التفاهم معه. الزوج: هي أول امرأة عرفتها، وملأت حياتي وخاصة بعد أن رُزقنا بأول طفل، وعلى الرغم من زواجي المبكر لكن طموحي كان كبيراً، والزواج لم يعقني من إكمال الدراسة، فدخلت الجامعة التي كانت بعيدة عن قريتنا، فكنتُ لا أعود إلى البيت إلا في نهاية الأسبوع، وبُهرت بما رأيته فكنت لا أرى في حياتي سوى زوجتي البسيطة في كلّ شيء، في لبسها وتعاملها معي وغيرها من الأمور، لكني الآن أرى نساءً لا تقارن بها، فأحسستُ بأني كنتُ أعيش في الظلام، والآن أنا في وسط النور، وبمرور الأيام تعرّفت على طالبة تدرس معي في الكلية، وأحببتها كثيراً، وكانت على عكس زوجتي في أناقتها وثقافتها وكلامها، وكان ما يعيقني من الارتباط بها هو زوجتي وأولادي، فكنت في حيرة كبيرة، وحينما أعود إلى البيت أحسّ بأني مكتئب، وحينما تسألني عمّا بي أثور معها فهي السبب في تعاستي، وأضطر إلى ضربها، وكانت تتحمل كلّ هذا الأمر، ولكن في المرة الأخيرة كانت ضربتي لها شديدة، وصُدمت بردة فعلها، فقد شكتني إلى المحكمة وأقامت ضديّ دعوى طلاق، وفي البداية أنكرتُ ضربي لها، لكن التقرير الطبي كان بعكس ما قلته أمام القاضي مما اضطررت للاعتراف بالحقيقة، وبالفعل قد تمّ انفصالنا. ولمعرفة رأي الطب النفسي فقد تحدث الدكتور عامر الحيدري/ اختصاص الأمراض النفسية والعصبية عن تأثير الضرب في المرأة, وأثره السلبي في المجتمع قائلاً: إن الضرب هو شكل من أشكال العنف ضد المرأة وقد ارتفعت نسبة وقوعه في الآونة الأخيرة، ومن أسبابه: ضعف الوعي الديني والثقافي، والجهل بأسس الحياة الزوجية من حقوق وواجبات تفريغ الضغوط الخارجية التي يتعرض لها الزوج في زوجته والمبادئ التي تربّى عليها بعض الرجال منذ الصغر، كالتعود على العنف، وعدم احترام الآخرين، ويترك هذا الأمر آثاراً سلبية على المرأة وعلى الأسرة والمجتمع، منها: أنه يفقد المرأة الثقة بنفسها ويشعرها بالإحباط، والكآبة، وبالعجز، وبالإذلال، والمهانة، وعدم الثقة بالنفس، والاضطراب في الصحة النفسية، وعدم الشعور بالاطمئنان والسلام وغير قادرة على اتخاذ القرار ويؤدي الضرب إلى الطلاق والتفكك الأسري، واضطراب العلاقة بين أهل الزوج والزوجة. ومن أهم الحلول لحماية المرأة من هذا الفعل هو الالتزام بتعاليم الإسلام، وتوضيح مقصد الشرع من الآيات والأحاديث التي ورد فيها ذكر الضرب حتى لا تُستغل باسم الإسلام، وتأهيل المتزوجين وإكسابهم مهارات اتخاذ القرار وحلّ المشكلات، وإقامة الدورات التدريبية للأزواج حول السيطرة على الانفعالات الجسدية والنفسية واللفظية، وتسخير وسائل الاتصال لتوعية الأسر وتبصيرها بأضرار الضرب ضد المرأة، وتوضيح القوانين والعقوبات للرجال على مستخدمي الضرب ضدّ النساء، وتقديم الخدمات القانونية في سنّ القوانين لحماية المرأة من العنف الأسري، ومتابعة تنفيذها ومحاربة السلوكيات الدخيلة على المجتمع. ولمعرفة رأي الدين في هذا الأمر لنتخذه الطريق السليم ونسير في دروبه المنيرة، التقينا بالأخت (أم شاكر) من شعبة التوجيه الديني في العتبة العباسية المقدسة، وتحدثت قائلة: الزواج هو رابط مقدس بين الطرفين والمعاملة الحسنة لابدّ من أن تكون من قبلهما وهي أساس الزواج الناجح، فهناك حقوق وواجبات جعلها الدين الإسلامي للزوجين وعليهما ففرض على الزوجة طاعة الزوج واحترامه وعمل كلّ ما بوسعها لإسعاده، وبالمقابل فعلى الزوج رعايتها والاهتمام بها، فإن كانت الزوجة غير مطيعة لزوجها فعليه أن يعظها الموعظة الحسنة، وإلّا فعليه أن يزجرها، وإلّا فالضرب آخر عمل ممكن أن يقوم به، وقد ذُكر هذا الحكم في القرآن الكريم في سورة النساء آية (34و35)، والضرب هو إهانة لشخص المرأة، وخاصة على أنه تنظر لزوجها أنه الحصن المنيع الذي تلتجئ إليه، وإذا هو يقوم بإهانتها وضربها، فمن الخطأ أن يضرب الزوج زوجته إلّا بحسب ما ذكره القرآن الكريم، والضرب المبرح الذي يترك أثراً على الجلد ينافي تعاليم الإسلام، والطلاق هو ليس الحل الوحيد لهذه المشكلة، فالتفاهم والتباحث في هذه الأمور وإيجاد الحل المناسب لها هو أولى وأفضل بالنسبة إلى الطرفين، وللحفاظ على كيان الأسرة وتماسكها. ونتيجة للانحلال الذي عاش فيه الزوج في البيئة المحيطة به وعدم الالتزام بتعاليم الإسلام وبالحجاب الذي هو أساس للمرأة الصالحة وخاصة في الأماكن المختلطة الذي يؤدي إلى الانحراف عن الأخلاق والدين وانتشار أوبئة سلوكية مستوردة خاطئة في المجتمع. ................................ (1) المرأة في ظل الإسلام، محمد بحر العلوم، ص75.