رياض الزهراء العدد 163 الحشد المقدس
حَتّى الوَردُ يُحِبُّهُم
لا أدري هل حقًا إنّ ربيعهم مزهر أبديّ لا يقدّهُ فصلٌ آخر، ولا تعبث بجماله سُحب رماديّة؟ ذلك الصبح يتأملّهم بتمعّن، لديهم بريق متأصّل لا يبهت لونه، جاذبيّتهم تعشقها الأشياء من حولهم، لا أنسى أبدًا كيف سقطت تلك الوردة حين استشهد (محمّد) ذلك الشاب في صفوف الحشد الذي كان في كلّ ذهاب إلى ساحات الدفاع يشمّ عبيرها بهدوء ويتحسّسها بدفء حتّى أتى ذاك الصبح يتيماً بدونه فذبلت تماماً، ماذا يا تُرى كان يهمس لها حتّى قضت نحبها يوم غاب عنها؟ هذه بلا شكّ جاذبيّة الروح العليا التي زرعها الله تعالى بتلك الأجساد التائقة لمحراب وصاله في كلّ حين، إنّها جاذبيّة المشاعر التي تقتات على الفضائل، فتشتاق إليها كلّ الكائنات، في الوقت الذي تنهمر فيه أحاسيس كثيرة في فوضى الحياة، وتذوب بلا معنى في محطّات التيه، تكون أحاسيس مَن اعتنق اليقين باهرة في رحلتها، تضع الأمور في مواضعها، وتكون مُلهمة لـمَن حولها، وناجية من كلّ خطب، لا أبالغ إن قلتُ: إنّ الموت يأنس بجوار تلك المشاعر التي تتكتّل بصدقٍ في قلوب المقاتلين، إنّها حين تمسّ أيّ موقف يتحوّل إلى شجنٍ ساحر وأنشودة وطن، إنّهم أيضًا أجمل نصّ تتغزل الأقلام بخطّه فوق روح الورق، يشبهون ذلك السلام على الإمام الحسين (عليه السلام) التلقائيّ الخالد على ألسنة العارفين. لا تقلق يا عراق، لقد بات جبينكَ يسامر النخيل عن بطولات شتّى، عن مشاعر ثمنها باهظ لا يستطيع منحها إياكَ أحد إلّا هم المنذورون قربانًا للشهادة، أولئك الذين طوّقت أعناقهم غُترٌ سوداء وخضراء وبعضها بيضاء، هم وحدهم من يَفقهُ رائحة عطرها الملامس لذلك الشبّاك الذي يفيض بحكايات المناجاة، ونغم الدعاء الذي يُشبه إلى حدّ كبير صلة النهر بالوفاء.. نعم تُبهرني مشاعرهم النبيلة وهم يستحضرونها في كلّ مطاف، يسكبونها بعزّة بين أروقة الحياة وأخيرًا يسقونها دماءً لتحيا الأرض ويبتلّ ريق أحلامها.