حَقِيبَةُ العَودَةِ

إسراء عيسى البحرانيّ/ البصرة
عدد المشاهدات : 165

بنيّ لماذا رجعت حقيبتكَ من دونكَ؟!.. ألم تعلم بأنّ عطركَ الفوّاح فيها يقتلني شوقاً؟!.. بنيّ على شفاهي قبلة اشتياق، لكن قل لي أين جبينكَ؟ أين بدركَ الذي يطلّ على الدنيا ويجعل ألوانها ساحرة؟.. أينَ ذاك الطول الذي تستظلّ به أخواتكَ؟.. ألم تعلم بأنّ دموع القلب حارقة لا يطفئها ماء البحر؟!.. ألم تعلم بأنّ سنينكَ غابت بلحظة وهي تترجم كلّ أوجاع الذكرى؟!.. ألم يخبركَ الجوع وأنتَ صائم بأنّ لنا عيداً يبدأ بقدومكَ وينتهي برحيلكَ؟!..ألم تعلم بأنّ أصدقاءكَ يتسامرون على ضوء ذكراكَ؟!.. كيف تختار أن تكون الحلقة المفقودة من أمام أعينهم والعالقة في قلوبهم؟!.. ألم يهزّكَ الحنين إلى تلك الأزقّة الضيّقة التي تتّسع بضحكاتكَ ومرحكَ؟!.. كلّ ذلك تركته خلفكَ يرتّل سورة الوجود في كلّ محفل من محافل الحبّ الأبديّ الذي سأكتوي فيه بنار الشوق إليكَ في كلّ لحظة من ذكراكَ... يتوقّف القلم قليلاً لينزف القلب من ألم الانتظار.. سكونٌ سادَ كلّ شيء، لم يعد يتحرّك الزمن، كلّ شيء اسودّ كأنّ نهار ذلك اليوم لم يطلع أبداً، حتّى نطقت الحياة بفم ولدي... أمّاه لستُ مَن يُنكر النِعَم، فقلبكِ أعزّ ما أملك، وعيناكِ جنّتاي، وأخواتي وأصدقائي وتلك الأزقّة كلّها أمانة الله تعالى عندي، ولن تُصان الأمانة إلّا بدمي... أمّاه جوعي وعطشي سينبتان في الأرض عزّاً وكرامةً حتّى ترتوي تلك الأرض الحالمة بالعيد الذي تنتظرينه وتنتظره الأمّة حين تُملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما مُلئت ظلماً وجوراً، عندها فليفرح قلبكِ بأنّ ابنكِ كان حرفاً مشرقاً في ذلك التأريخ المشرّف، وسيفاً بوجه الأعداء، وعَلماً من أعلام الهداية، وحقّاً أستُردّ للمستضعفين، ونوراً انبثق ليشقّ وجه الظلام، عندها ستريني شامخاً إلى عنان السماء.. بدأت ساعة الحياة تدقّ من جديد في ذلك القلب الموجوع، وهو يُصغي إلى الألطاف الربّانية التي شاءت أن ترى ذلك الوداع.