رياض الزهراء العدد 163 جائحة كورونا
الأَخذُ بِالأسبَابِ ثُمَّ التَّعَلُّقُ بِحبالِ رَحمَتِهِ تَعالى
كلّما ابتعد الإنسان عن خالقه، وأخذته مباهج الحياة وأطماعها رجع إلى الله ذليلاً مكسوراً خائفاً محتاجاً إلى رحمته وقدرته التي وسعت كلّ شيء، وما جائحة (كورونا) إلّا درس قاسٍ يعيشه الإنسان في هذا الزمان، يلوذ بالعزيز الجبّار ليعينه ويقدّره على الخلاص منه. إنّ اقتراب العبد من الله يجعله يشحن طاقة إيجابيّة ترفع معنويّاته النفسيّة وتقوّي مناعته، وهو ما يؤكّده علم النفس الحديث، والكثير من المتعافين من (كورونا) يقولون لولا تعلّقنا بحبال رحمته لما شُفينا، فكيف لا وهو الذي يقول جلّ وعلا: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ( (غافر:60). ولكن يا للأسف هناك مَن يجهل تعاليم الدين الحنيف، ويفسّر قول الله تعالى بغير تفسير، ونرى ذلك قد انعكس على تعاملهم مع مخاطر (كورونا)، ولو سألت أحدهم عن سبب عدم التزامه بأبسط تعاليم الصحّة والسلامة مثل لبس الكمامة، يردّ عليك بالقول :(الله الساتر والله الحامي)!، غير مدرك أنّ أهمّ مبادئ الأخذ بالأسباب المشروعة والممكنة قد أوصانا بها الرسول (صلى الله عليه وآله) في قصّة هي من قصص التوعية والإرشاد لأمّته قبل أكثر من ألف سنة، وهي قصّة الرجل الذي جاء إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) ومعه ناقته "فقال: أعقلها وأتوكّل، أو أطلقها وأتوكّل؟ قال (صلى الله عليه وآله): اعقلها وتوكّل"(1). وكان سؤال الرجل واضحاً، أي أربطها وأتوكّل أمّ أتركها تسيح في الأرض وأتوكّل، وجواب الصادق الأمين وخاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله) ليس معناه تجاهل الأسباب، بل الأخذ بها ثم التوكّل على الله ، وهو درس وعِبرة للمؤمنين أن يلتزموا بكلّ أشكال أسباب النجاة والنجاح والسلامة، ثم التوكّل على الله وهو خير وكيل. وفي ظلّ انتشار فيروس (كورونا) المميت، على المؤمن الحقّ أن يكون القدوة في تطبيق التعليمات الصحيّة، وهي الالتزام بجميع شروط التباعد الاجتماعيّ، وتدابير الوقاية الأساسيّة، ومتابعة آخر المستجدّات من المصادر الموثوقة؛ كي لا يبني أحكامه على الأخبار الكاذبة والمغرضة، وكذلك يكون المُبادر إلى نقل المعلومة الصحيحة لفائدة الغير، وأن يجعل عقيدته بالله تعالى أنّه سيشفيه إذا مرض هي الركن الثابت في تفكيره، ويحرص على أن يكون يقينه لا تشوبه شائبة من شوائب الدنيا. ......................... (1) ميزان الحكمة: ج11، ص345.