رياض الزهراء العدد 163 منكم وإليكم
أُمنِيَّةٌ سَمَاوِيَّةٌ
تزخر طفولة الإنسان وصباه بالأحلام والأمنيّات، فيبحر خياله في عوالم المستقبل الجميل الذي تتحقّق فيه الأحلام، وتتجسّد فيه الأمنيّات البريئة، بسيطةً كانت أم عظيمةً. وما أن يصلُب عوده ويشتدّ حتّى يأخذ بالسعي بكلّ ما أوتي من قوّة وعزم ليحوّل تلك الأماني إلى واقع يرضاه، فإذا كان تلميذاً فسيواصل دراسته، ويجدّ في تحصيله العلميّ حتّى يرتدي قبّعة التخرّج فرحاً بتحقيق حلم حياته الذي انغرس في وجدانه، ونما مع أيّامه ولياليه. ليعيش بعد تحقيق هذه الأمنيّة حياة كريمة ناجحة في هذه الدنيا، لكن ماذا بعد ذلك؟ مَن منّا فكّر في الحياة العُليا؟ أيّ قلبٍ فتيٍّ يفكّر بالعيش في ذلك العالم الذي نراه بعيداً؟! أيّ حلمٍ ذاك الذي ترعرع في خيال شاب آمن بربّه فازداد هدى..؟! نراه يتلهّف لتحقيقه، يعدّ الثواني والأيام ليحرزه، حلمه بنيل الشهادة والفناء يقوده إلى حلم الخلود الأبديّ، فالشهداء أحياء عند ربّهم يُرزقون.. يمضي إلى أمنيّته، يرتسم أمام ناظريه مثاله الأسمى عليّ الأكبر (عليه السلام) الذي تثبّت من طريق الحقّ، فلم يعبأ بالموت الجسديّ؛ متخفِّفًا من كلّ همّ دنيويّ يثقله، شهادة نجاحه سلاحه الذي لم يهجر يده، وزيّ تخرّجه قميصه المضرّج بالدماء.. وابتسامته دليل فرحته العظيمة بنيل مبتغاه.. حملته أجنحة الملائكة إلى عالم نقيّ، ومن هناك بدأ يرقبُ تقدّم إخوته في ميادين النصر، يستبشر برفاقه الذين يلحقون به تزيّنهم جراحهم، وقد غاب عنها الألم ليقيموا معاً حفل تخرّجٍ من طراز فريد، فقد تحقّقت الأمنيّة ونالوا أعلى الرُتب، فهم مثلما وصفهم الله تعالى: (فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ( (آل عمران:170).