فَاطِمةُ الزَّهرَاءُ (عليها السلام) المَرأةُ القِيَادِيَّةُ

نرجس مهدي/ كربلاء المقدسة
عدد المشاهدات : 213

ربيبة العلم والتقى، آية إلهيّة كبرى، قطب الرحى لفيض الوجود، وَهَبها الله  جلالاً وبهاءً.. رُزئت بأمّها صغيرةً.. ففاض عليها رسول الله (صلى الله عليه وآله) بشلّال رحمته، فدرجت في بيت الوحي والطهر وأولي النُهى.. مرآة الصفات الإلهيّة التي تجلّت في سكونها وحركاتها.. اصطفاها الله  وأظهر فضلها على العالمين.. وهذا الاصطفاء الإلهيّ الذي يعني وجود أفراد من البشر يجسّدون المبادئ والقيم في حياتهم، ويبلغون أرقى مستوى الكمال، ويكونون قدوة لبني البشر على مرّ الأزمنة. لم يجعل الله  هذا الاصطفاء للرجال دون النساء، بل اصطفى عيّنات من النساء.. ممّا يدلّ على قابليّة المرأة وأهليّتها لبلوغ درجات الكمال، وأن تكون في موقع الريادة والتميّز. والزهراء (عليها السلام) رمز وقدوة للأمّة الإسلاميّة جمعاء.. وإنّ ارتباط رضا الله ، برضاها لهو دليل على عصمتها، ونزاهتها، وكمالها، حتّى مشاعرها وعواطفها منسجمة ومطابقة للقِيم الإلهيّة. وبذلك يكون كلّ ما يصدر عنها (عليها السلام) من قولٍ أو فعلٍ كاشفًا عن الأمر والتشريع الإلهيّ.. فهي حجّة شرعيّة على جميع بني البشر.. وحجّة على أولادها الأئمّة المعصومين (عليهم السلام)، فقد قال الإمام العسكريّ (عليه السلام): " نحنُ حُجَجُ الله على الخلائق، وأمّنا فاطمة حجّة اللهِ علينا"(1) وقد تصدّت (عليها السلام) إلى توعية المرأة في دورها القياديّ والرساليّ الذي لم يقتصر على نساء جيلها فحسب، بل طال الأجيال اللاحقة. وعلينا أن نقود نهضة عارمة حتّى نُعيد المرأة إلى الميدان القياديّ، وذلك بتذكيرها بأروع أنموذج قدّمه الإسلام.. إذ كانت الزهراء (عليها السلام) إلى جانب القيام بالمَهام الأسريّة، تشارك في نشر الرسالة الإسلاميّة، وذلك بتدريس النساء المسلمات أحكام الدين، فتفيض عليهنّ علمًا وتشبعهنّ فهمًا.. فكان بيتها المدرسة الأولى في الإسلام. ولم تقتصر (عليها السلام) على تثقيف الأفراد بل انصرفت إلى توعية الجماهير عندما طلبت الرسالة الإسلاميّة ذلك منها؛ ليكون خطابها في مسجد أبيها (صلى الله عليه وآله) أمام حشد من المهاجرين والأنصار دعوةً إلى مقاومة الظلم والاستبداد، ورفض الخنوع والدِعة، والتمسّك بتعاليم الله  ورسوله (صلى الله عليه وآله). هكذا جسّدت (عليها السلام) الدور القياديّ عبر استعدادها لمواجهة كلّ ردود الأفعال، وإن كلّف ذلك حياتها من أجل تصحيح المفاهيم التي تحفظ سلامة النموّ السويّ لكيان العقيدة الإسلاميّة واستمراره. فمثّلت السيّدة الزهراء (عليها السلام) أحد الأدوار المهمّة والمؤثّرة في كيان الحضارة الإنسانيّة، وأيضًا كانت (عليها السلام) أول صنّاع المفهوم القياديّ للمرأة المسلمة على مرّ العصور، وأدوارها القياديّة، إضافةً إلى الموقف السياسيّ الصعب الذي تعرّضت له بعد شهادة رسول الرحمة (صلى الله عليه وآله)، من خيانة، وهتك حرمة، وإنكار الوصيّة، وولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)؛ فبرز دورها في الجانب الإعلاميّ في كشف الزيغ والمرتدّين، ورفعت النقاب عن الظلامة التي تعرّض له البيت العلويّ الطاهر؛ ولأنّها قدوة الاصطفاء والاجتباء والمنزلة فهي الأنموذج الأرقى للمربّية الواعية التي تكفلّت بتربية أولادها، وحملت هموم مجتمعها من نشر العلم وهدايته. ونستطيع أن نقول بأنّها (عليها السلام) سلّطت الضوء على أهميّة وجود المرأة في حياة الرجل، ومدى تأثيرها العميق في الحياة الأسريّة، والقيادة الحقيقيّة في الأسرة، فهكذا يقدّم الإسلام المرأة في مقام رياديّ وقياديّ ليؤكّد قابليّتها واستعدادها للكمال والتفوّق تماماً مثل الرجل، على الرغم ممّا تواجهه المرأة المسلمة اليوم من تحدّيات كبيرة أمام النماذج المزيّفة التي صنعها الغرب. .......................... (1) الأسرار الفاطميّة: ص17.