الزَّهراءُ (عليها السلام): دَرسُ الإنسَانِيَّةِ في الرِّسَالَةِ الإسلَامِيَّةِ

زينب شاكر السمّاك/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 251

جلستُ على أريكتي، وأخذتُ قلمي ودفتري، وفي نيّتي الكتابة عن امرأة يعجز اللسان عن وصفها، وتعجز آلاف الكلمات عن إيفاء حقّها، ويعجز قلمي عن الكتابة بشأنها... مسكتُ قلمي متأمّلة هذه السيّدة العظيمة، من أين أبدأ وما عساني أكتب عنها، فهي سيّدة نساء العالمين، وبنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وزوجة وليّ الله الإمام عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) وأمّ الحسنين سيّدي شباب أهل الجنّة، وابنتها عقيلة بني هاشم، فنسبها الشرف، ونسلها الطهر، إنّها السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام). الحديث عنها دروس في الحياة، وأوضح درس هو علاقة الصدّيقة الطاهرة(عليه السلام) بأبيها (صلى الله عليه وآله)، إنّ علاقة البنت بأبيها علاقة يحكمها كمّ هائل من المشاعر الروحيّة والوجدانيّة والعاطفيّة، وهي أيضاً علاقة معقّدة التكوين، فالبنت تشعر أنّ والدها هو الأب والأخ والسند والصديق، وتشعر أنّه ابنها، وبالنسبة إلى الأب فهو يُدرك أهميّة وجود البنت في حياته. لو استعرضنا عبر التاريخ علاقة الآباء ببناتهم فلا نجد أرقى وأغلى وأثمن من علاقة سيّدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام) بأبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وعندما نقف أمام العلاقة الأبويّة بين سيّدة نساء العالمين ووالدها (صلى الله عليه وآله) نصبح عاجزين عن الوصول إلى تمام حقيقة هذه العلاقة الراقية، ولن نغالي إنْ قلنا إنّها خارجة عن قدرة القلم واللسان والتحليل والبيان. إنَّ الزهراء (عليها السلام) بلغت في قلب النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) مبلغاً جعل الرسول يصرّح مراراً وتكراراً "فداها أبوها"(1) أيّ منزلة عظيمة ودرجة سامية تلك التي بلغتها (عليها السلام) ليفتديها خير خلق الله بنفسه؟ وقد كنّاها بأمّ أبيها لكونها كانت تشعر بمسؤوليّة الأم تجاه أبيها، وتعامله معاملة الأمّ لابنها، إنّها علاقة ربّانية نقيّة كنقاء قلوبهم، لم تمسّها أيّة شائبة من شوائب الحياة... قمّة في المثاليّة، وصورة حيّة لمكانة المرأة في الإسلام وتحديداً البنت، فقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: "فاطمة بضعة منّي فمَن أغضبها أغضبني"(2)، هذا دليل قاطع على مكانة سيّدة نساء العالمين وسموّ شخصيّتها، فقد خصّها الله (سبحانه وتعالى) بمكانة عالية، وبهذه المكانة التي تمتّعت بها (عليها السلام) أعادت للمرأة المسلمة هيبتها ومكانتها، فبعد أن كانت توأد البنت، ويخجل الرجل حين يبشّر بالأنثى ويظلّ وجهه مسودّاً، رفع الله مكانة البنت على وجه الخصوص، والمرأة بصورة عامّة، فكان خير الخلق وسيّد الكون النبيّ (صلى الله عليه وآله) يكنّ لابنته فاطمة الزهراء (عليها السلام) كلّ الحبّ والاحترام، ويقبّل يديها أمام الجميع، ويقوم من مجلسه ليجلسها مكانه. وبهذا أوصل الله (سبحانه وتعالى)رسالة صريحة وواضحة المعالم عن مكانة البنت عند أبيها، والمكانة العظيمة التي تتمتّع بها المرأة في الإسلام ودورها الفعّال في المجتمع، واختصر جميع صُور المرأة المثاليّة في شخص فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فهي البنت البارّة، والزوجة الحكيمة والأمّ الحنون. ............................ (1) بحار الأنوار: ج43، ص20. (2) مستدرك سفينة البحار: ج223، ص1.