فَاطِمةُ المَعصُومَةُ (عليها السلام): الجَلِيلَةُ المُحَدّثَةُ
"أشهدُ أنّكَ كنتَ نوراً في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهّرة"(1) جاءت هذه العبارة في زيارة النبيّ (صلى الله عليه وآله) وزيارة الإمام الحسين(عليه السلام) وزيارات أخرى معروفة، إذ كانت في حقّ المعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام)، إلّا أنّها تمتدّ لتشمل ذريّاتهم وتعمّ أبناءهم، ومن تلك الذريّة الطيّبة الصالحة السيّدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) القريبة منهم والمتّصل نسبها بنسبهم، فكلّ مَن يتّصل بتلك الشجرة المباركة يفيض طيباً وطهارة لانتمائهم إلى سيّد البشريّة محمّد (صلى الله عليه وآله). السيّدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) من نسب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتُنسب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وفاطمة الزهراء (عليها السلام)، فشملتها طهارة الأرحام وعمّها شموخ الأصلاب، فاطمة المعصومة بنت الإمام الكاظم ، انتمت إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) عن طريق ابنه حجّة الله في الأرض والإمام على الخلق موسى بن جعفر (عليه السلام)، نالت (عليها السلام) شرف كونها أختاً لإمام معصوم مفترض الطاعة وواجب على الناس ولايته، فلا بدّ من أن تكون السيّدة المعصومة متميّزةً عن سائر أفراد البشر، مثلما امتازت عمّتها السيّدة زينب (عليها السلام) عن سائر الناس، ومن أهمّ الأسباب التي جعلتها تبلغ هذا المقام الرفيع هو معرفتها بمقام إمام زمانها (عليه السلام). وُلدت (عليها السلام) في غرّة شهر ذي القعدة الحرام سنة 173هـ، حيث اختصّت بالولادة الطيّبة كشقيقها الإمام الرضا (عليه السلام). وهناك خصائص كثيرة اختصّت بها السيّدة المعصومة (عليها السلام) منها اختيار السماء اسمها ولقبها وكنيتها التي أعطاها لها رسول الله (صلى الله عليه وآله) بوصيّة أوصاها الله عبر أمين وحيه جبرائيل (عليه السلام)(2)، سيّدة ناصرت إمام زمانها وقد كانت عالمة غير معلّمة وفهمة غير مفهّمة، صاحبة المعاجز والمكرمات، صاحبة العصمة الصغرى مثلما جاء ذلك ضمن ألقابها التي لقبّها الله تعالى بها(3). وهناك قصّة تدلّ على منزلة السيّدة المعصومة (عليها السلام) ومقامها منذ صغرها، إذ قصد جمع من الشيعة بيت الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام) للتشرّف بلقائه والسلام عليه، فأُخبروا أنّ الإمام (عليه السلام) خارج في سفر، وكانت لديهم عدّة مسائل فكتبوها وأعطوها للسيّدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) ثم انصرفوا. وبعد أن عزموا على الرحيل إلى وطنهم مرّوا ببيت الإمام (عليه السلام) ولم يعد من سفره بعدُ، ولأنّهم كانوا لابدّ من أن يسافروا، طلبوا مسائلهم على أن يقدّموها إلى الإمام (عليه السلام) في سفر آخر إلى المدينة، فسلّمت السيّدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) المسائل إليهم بعد أن كتبت أجوبتها، ولمّا رأوا ذلك فرحوا وخرجوا من المدينة قاصدين ديارهم، وفي أثناء الطريق التقوا بالإمام الكاظم (عليه السلام) وهو في طريقه إلى المدينة، فحكوا له ما جرى لهم، فطلب إليهم أن يُروه تلك المسائل، فلمّا نظر في المسائل وأجوبتها قال ثلاثاً: فداها أبوها(4). استشهدت السيّدة المعصومة (عليها السلام) في (10 ربيع الثاني 210هـ) بحسب بعض الروايات، وعمرها 27 عاماً وروايات أخرى تذكر أنّها كانت تبلغ من العمر (18 سنة) مثل عمر جدّتها الزهراء (عليها السلام). كانت (عليها السلام) في زيارة لأخيها الإمام الرضا(عليه السلام)، وخلال الرحلة تعرّض جلاوزة العبّاسيين لموكبها ودُسّ السمّ لها ولإخوانها، فقضت (عليها السلام) نحبها قبل أن ترى أخاها، ذهبت غريبة مظلومة محرومة من لقاء الإمام الرضا(عليه السلام).يُذكر أنّ الإمام الرضا (عليه السلام) حضر لمواراتها هو وأولاده بعد أن قضت نحبها(5). وها هو اليوم مكان مرقد السيّدة معصومة (عليها السلام) منشأ للخيرات والبركات، ومقرّ للحوزة العلميّة ومستقرّ العلم والعلماء. ....................... (1) مفاتيح الجنان: ص429. (2) خصائص السيّدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) كريمة أهل البيت: ص47. (3) المصدر السابق نفسه: ص 59. (4) المصدر السابق نفسه: ص215. (5) فاطمة المعصومة قبس من أشعّة الزهراء (عليها السلام): ص81.