رياض الزهراء العدد 163 أروقة جامعية
كَمْ لبِثنَا؟
( قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ ( (الكهف: 19)، أو بلغة عصرنا لنقل: (كَمْ لبِثنا...؟) إنه سؤالٌ يناسبُ كلّ زمان ومكان، لعلّ فتية الكهف تساءلوا بينهم ليعرفوا أمد رُقودهم، الأمد الزمنيّ على وجه التحديد، لكن يُمكن أن يُطبَّق هذا التساؤل في كلّ آنٍ وحين، أن تسأل نفسكَ، كمْ لبِثتَ؟ كمْ مكثتَ في ضياعِكَ وتماديكَ في إعراضكَ عن إصلاح نفسكَ؟ كم أقمتَ وأنتَ تُهدِرُ طاقاتٍ جبّارة من وجودكَ؟ وأنتَ تَضع عشرات الأشخاص قبل اسمكَ على القائمة، وأنتَ تتقلّبُ ذاتَ اليمين وذاتَ الشمال، غافلاً مغشّياً على قلبكَ، بصيرتكَ كفيفة، وسمعكَ أصمّ؟ هَب أنّكَ خضتَ في مراحل من الاستسلام والإهمال لذاتكَ، وأنّكَ انجرفتَ مع التيارات التي تغدو وتروح، وانغمستَ حتّى قمّة رأسكَ في مشاعرَ وآلام بلغت في روحكَ حدَّ الاختناق، وبِتَّ كأنّكَ دُميةُ ظلٍّ متحرّكة لا يُرى منكَ شيء، ولا تستطيع الإمساك بخيوطكَ كي تشلّ سطوتها عليكَ، لكن بعد المخاض العسير هذا، أما آن لكَ أن تُبصر النور؟ أما آن أن تشهدَ ولادةً جديدةً؟ وأن تنهض من بركة الأسى تلك لتنظر إلي نفسكَ، تُسائل ذاتكَ، أين أنا، ولِمَ كلّ هذا الحُطام؟ كأنّني حديقةٌ خَرِبة! أينَ أوراقي وثماري! بل أين أنا عنّي..؟ صفعة! هذا ما نحتاجه من حينٍ إلى آخر تتناسبُ قوّتها طرديّاً مع حجم الانفلات الذي سمحتَ لنفسكَ به.. لا يهمّ مصدر تلك الصفعة، ما يهمّ هو تأثيرها، أحياناً لا تنجح ضربة قويّة بإيقاظكَ، فتحتاج إلى قوّة مضاعفة، وحين لا تنجح المضاعفة سترتفع للضعف مجدداً، ليس لأنّكَ تستحقّ ضربات كهذه، ولا لأنّه لا تتوافر وسائل أخرى سواها، بل لأنّكَ لن تصحو بواسطة ريشة ناعمة تداعبُ وجنتيكَ، ولا عن طريق تربيتة حانية على رأسكَ، هذه ستأتي بعد أن تنهض من غفلتكَ، أمّا قبلها فالوقوف القويّ المؤلم على جمراتٍ لاهبة، هو الذي سيقوّي عودكَ ويُعيدُ لأغصانكَ خُضرتها المنسيّة. بعد أن تعرف "كمْ لبِثتَ"، لا تعدّ السنين العِجاف التي مرّت عليكَ، لا تقارن عُملتكَ الماضية بعملة اليوم، لا تأسف على العمر الذي انقضى، لكَ اليوم نشورٌ جديد، عملة اليوم هي التي ستحصل عليها بجُهد اليوم، أمّا ما خلا ذلك فما هو إلّا امتداد لنومِكَ اللانهائي، لكَ يومُكَ وغدكَ، وسلامٌ على ما مضى..