الصِّدِّيقَةُ الكُبرى

ولاء قاسم العبادي/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 220

الصدّيقيةُ مقامٌ إلهيّ، ومنزلةٌ ربّانية، لا ينتجبُ اللهُ(سبحانه وتعالى) إليها إلّا الذوات المقدّسة من الأنبياء ومَن سواهم من الكُمّلِ من البشر، قال(سبحانه وتعالى): (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا)/(مريم: 41)، وقال: (مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ)/(المائدة: 75). وهو مقامٌ عظيمٌ يقعُ في الدرجةِ التاليةِ للنبوّة؛ لقولهِ(سبحانه وتعالى): (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ...)/(النساء: 69)، يقول العلّامة الطبطبائيّ في ذيل هذه الآية: "وعلى ذلك فتترتّبُ المراتبُ؛ فالنبيّون وهم السادة، ثمّ الصدّيقون وهم شهداءُ الحقائقِ والأعمال، والشهداءُ وهم شهداءُ الأعمال، والصالحون وهم المُتهيّئون للكرامةِ الإلهيّة"(1)، وبما أنَّ الأنبياءَ يتفاضلون فيما بينهم؛ فالصدّيقون هم الآخرون يتفاضلون فيما بينهم تبعًا لمرتبة أنبيائهم. ولعظم هذا المقام لا ينتجبُ اللهُ(سبحانه وتعالى) له إلّا مَن بلغَ مرتبةَ الكمالِ والعصمة، ومنهم السيّدةُ الزهراء"(5)، فقد رُوي عن الإمام الكاظم(عليه السلام) قوله: "إنَّ فاطمةَ صدّيقةٌ شهيدة"(2)، بل إنّها "(5) سيّدةُ مريم الصدّيقة نفسها؛ لما تقدّم من أنَّ رِفعةَ مقام الصدّيقية منوطٌ برفعةِ مقامِ نبيِّ تلك الأمّة، وعليه فمقامُ الصدّيقيةِ في أمّةِ الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) أعلى مرتبةً من مقامِ الصدّيقيةِ في كلِّ الأمم، ومنها أمّةُ النبيّ عيسى(عليه السلام). واشتراطُ العصمةِ في بلوغِ هذا المقام الجليل كافٍ، إلّا أنَّ من المناسب التأكيد على أهمِّ السماتِ التي تؤهّلُ مَن يتمتّعُ بها لهذا الانتجاب، وهي: أولًا: الصدق. فقد رُوي عن عائشة أنّها قالت:‏ "ما رأيتُ أفضلَ من فاطمةَ غير أبيها، وقالت:‏ وكان بينهما شيء‏، فقالت: يا رسول الله سَلها فإنّها لا تكذب"(3). ثانيًا: أن يكون مطهّراً. وقد طهّرها الله(سبحانه وتعالى) تطهيراً مثلما جاء في قوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا )/(الأحزاب: 33). ثالثاً: أنْ يكون على الحنيفيّة. أي ألّا يكون إسلامه مسبوقاً بشركٍ أو كفر، سواء وُلِد قبل الإسلام أو بعده. وكيف لا تكون سيّدةُ النساء على الحنيفيّة وهي مَن صدّقت بوحدانيةِ الحقِّ(سبحانه وتعالى)، ونبوّةِ أبيها، وإمامةِ بعلِها، وإمامةِ أبنائها المعصومين واحداً بعد واحدٍ وهي في رحمِ أمّها وعند ولادتها(4)! رابعاً: العلم. وهو من المقدّمات الضروريّة ليكون إيمان العبد إيماناً قلبياً راسخاً، بل إنَّ مقام الصدّيقيّة يرتبط بالقيمة المعرفيّة للفرد، فكلّما ازدادت ازداد تصديقه عقيدةً وعملًا، فقد رُوي عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه قال: "إنّ فاطمة مكثت بعد رسول الله(سبحانه وتعالى) خمسة وسبعين يوماً، وكان دَخَلها حزنٌ شديد على أبيها، وكان جبرئيل(عليه السلام) يأتيها فيُحسن عزاءها على أبيها ويُطيّب نفسها ويُخبرها عن أبيها ومكانه، ويُخبرها بما يكون بعدها في ذرّيتها، وكان عليّ(عليه السلام) يكتب ذلك، فهذا مُصحف فاطمة(عليها السلام)"(5). خامساً: لزوم السنخية بينه وبين النبوّة: وهل من سنخيةٍ أجلى من قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو آخذٌ بيدها: "مَن عرف هذه فقد عرفها، ومَن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمّد، وهي بضعة منّي، وهي قلبي وروحي التي بين جنبيّ، فمَن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله"(6). سادساً: الثبات على القِيم والتفاني من أجلها: وقد تفانت في دفاعها عن الإمامة في سبيل حفظ الإسلام حتى بذلت دمها الزكيّ ونفسها الطاهرة. ..................................... (1) تفسير الميزان: ج٤، ص٤٠٨. (2) الكافي: ج2، ص489. (3) مجمع الزوائد: ج9، ص201 (4) الخصائص الفاطميّة: ج1، ص220. (5) الكافي: ج1، ص355. (6) بحار الأنوار: ج٤٣، ص٥٤.