انتظرْ انتظارَ المُجِدّينَ

فاطمة نعيم الركابي/ ذي قار
عدد المشاهدات : 193

عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ: "مَنْ سُرَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ الْقَائِمِ فَلْيَنْتَظِرْ، وَلْيَعْمَلْ بِالْوَرَعِ وَمَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ وَهُوَ مُنْتَظِرٌ، فَإِنْ مَاتَ وَقَامَ الْقَائِمُ بَعْدَهُ كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ أَدْرَكَهُ، فَجِدُّوا وَانْتَظِرُوا"(١). إنّ الإمام(عليه السلام) تحدّث عن (الأصحاب) وليس (الأنصار)، فالأصحاب أعلى مقاماً، وأثبت قدماً، وأكثر إقداماً في تحقيق ما ذكرته الرواية. فواحدة من أبرز مفاتيح تحقيق الصحبة مع الحجّة(عجل الله تعالى فرجه الشريف) هو الانتظار، هذا المفتاح الذي لابدّ من أن يكون في قلب المهدويّ والمهدويّة دائماً، مثلما أكّدت عليه الرواية من أولها إلى آخرها، إشارة إلى لزوم وجود حالة الانتظار. إذ لابدّ من أن يكون المنتظِر في بداية مسيره الاستعداديّ مثلما قال الإمام(عليه السلام): (فَلْيَنْتَظِرْ، وَلْيَعْمَلْ بِالْوَرَعِ وَمَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ)، فيكون على المستوى الشخصيّ من أهل الانضباط ومعرفة حدود ربّه، وممّن يقف عند الشبهات والمحرّمات، ولا يتهاون في أداء الواجبات ويكون أكثر إقبالاً في إتيان المستحبّات، وعلى المستوى الاجتماعيّ هو من أهل الخُلق الحَسن، فيكون ممّن اقتبس من أخلاق إمامه(عجل الله تعالى فرجه الشريف)، فيتحقّق فيه مفهوم الصحبة لإمامه. ثمّ قال الإمام(عليه السلام): (وَهُوَ مُنْتَظِرٌ) فانتظاره هو الذي يمدّه بالطاقة للثبات والاستقامة على تحقيق الاستعداد في نفسه، فالبعض قد يُقنّطه طول مغيب الإمام(عليه السلام)، وقد يتكاسل أو يتباطأ في سعيه إلى إصلاح نفسه إذا ما شعر أن لا قيمة لانتظاره واستعداده في احتمالية تعجيل الفرج وتقريبه، أو يُصيبه الشكّ أنّه ليس من المرضيّين أو المقبولين عند إمامه. هنا يُعطي الإمام(عليه السلام) هذه الثمرة للمنتظرين بقوله: (فَإِنْ مَاتَ وَقَامَ الْقَائِمُ بَعْدَهُ كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ أَدْرَكَهُ ، فَجِدُّوا وَانْتَظِرُوا)، من أجل كسر الحُجب والتبريرات التي قد تحجبه عن تحقيق مفهوم الانتظار المطلوب، والانتفاع منه على مستوى الانتقال من مستوى الاستعداد إلى مستوى الاستحقاق. فهناك مَن ينتظر لكنّه غير متأكّد من بلوغ ما ينتظره، أو أنّه يتمهّل في الاستعداد لأنّه يرى أنّ الفاصل الزمنيّ سيطول حتى يتحقّق ما ينتظره، وهذا ما يوجب التكاسل والإهمال في الاستعداد، وهناك مَن ينتظر، لكنّ انتظاره عن يقين بأنّ تَحقّق ما ينتظره قريب مهما بعُد، ومتحقّق مهما طال، وهذا من أهل الجدّ في الانتظار المطلوب. .................................... (١) بحار الأنوار: ج٥٢، ص١٤٠.