أَشجارُ الشَّوقِ

خلود ابراهيم البياتي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 219

ارتأيتُ اليوم أن نُبحر سويّةً بين أسطر من أبلغ الكلام؛ لننهل من عذب ماءٍ معين فنروي عطش قلوبنا بكلّ ما يقرّبنا من رضا الله(سبحانه وتعالى)، فقد وقعت عيناي على نور يسطع من كلمات للإمام عليّ بن الحسين(عليه السلام) في مقطع من مناجاة العارفين حيث قال: ".. إلـهي فَاجْعَلْنا مِنَ الَّذينَ تَرَسَّخَتْ أَشْجارُ الشَّوْقِ اِلَيْكَ في حَدائِقِ صُدُورِهِمْ..."(1)، وقد تجوّلتُ بين ربوع تلك الحدائق لأرى ما لهذه الصورة من أثر كبير في نفوس القارئين، وكيف أنّ الإمام(عليه السلام) قد استخدم هذا الأسلوب التصويريّ في التّعبير عن الهدف المراد تحقيقه. من الأمور المهمّة التي دائماً ما نركّز عليها من أجل إيصال المعلومات إلى المتلقّي هي أن يتمّ التركيز على الأنماط المختلفة للشخصيّات، فلكلّ منّا طريقة خاصّة به لاستقبال المعلومة وخزنها واسترجاعها بالشكل الأمثل، ومن ضمن تلك الطرائق هي الاستعانة بالجانب الصُوَريّ الذي يعتمد على الرؤية المكانيّة والمخطّطات وما يترافق معها من ألوان وأشكال خاصّة، فيتمّ تخزينها بهذا الشكل، وعند الرغبة أو الحاجة إلى استرجاعها، فإنّه يستعين بالخيال والصُوَر الذهنيّة المخبّأة التي لا تظهر إلّا عند الطلب، فيكون حينها من السهل عليه التذكّر والربط بين الأشكال والمعلومات، ويتمّ بيانها عن طريق أدوات التواصل المختلفة من كلمات منطوقة، أو حروف مكتوبة، ولربّما استعان بلغة الجسد للتعبير عمّا يدور في خاطره. هنا نعود إلى كلمات الإمام السجّاد(عليه السلام) لنرى كيف جسّد لنا معنى الشوق إلى الله(سبحانه وتعالى) وقوّته عن طريق مشهد جميلٍ مؤثّر في النفس الإنسانيّة، فبعد غرس أشجار حبّ الله(سبحانه وتعالى) في الصدور، تحتاج إلى مزيد من الاهتمام والرعاية، وذلك عن طريق ريّها بكلّ صنوف أفعال الخير التي لا حصر لها، فمن كلّ فعل خير يتفرّع الكثير من الأفعال الأخرى التي تصبح فيما بعد أموراً رئيسيّةً يتمّ الاعتماد عليها مستقبلاً، مثلما أنّه يجب حماية تلك الأشجار من أيّ انحدار لها في مستنقع الآثام، وإحاطتها بسور يمنع أيّ أذى عنها من الخارج مثل الأفكار الدخيلة أو العقائد المنحرفة التي إن تسرّبت إليها ستعيث في الأرض والأشجار خراباً، وعند الحرص على الحماية ستمتدّ تلك الجذور في الأرض الصالحة للزراعة، وتترسّخ بشكل قويّ لا انفصال لها عن أرضها وبيئتها المناسبة. وممّا يُسهم في جعل تلك الجذور في قرار مكين من الأرض الصالحة هو توطيد العلاقة بالقدوة الحسنة التي تتمثّل في حُسن اتباع خطّ أهل البيت(عليهم السلام)، والحرص على التدبّر في كلّ ما نقرؤه من سيرتهم العطرة، ونبتعد عن أسلوب مرور الكرام على الصفحات من أجل إنهاء الموضوع فقط، بل نقوم بوضع علامة استفهام على كثير من الجمل لنقول لأنفسنا: ما العبرة أو الفائدة التي حصلتُ عليها ممّا قرأتُ؟ هنا سندرك أنّ كلّ ما نمرّ عليه هو عبارة عن رسائل لحياة تقرّبنا من الله(سبحانه وتعالى)، وما علينا سوى أن نقرّر البدء في غرس أشجار الشوق في صدورنا والقيام برعايتها على الدوام لتثمر قرباً من الله(سبحانه وتعالى). .............................. (1) الصحيفة السجّاديّة: ص ٤١٧.