"أَفضلُ زَادِ الرَّاحِلِ إِليكَ عَزمُ إِرَادَةٍ..."(1)
ليلى: بعد ذكرنا الإيمان وقلّة الأكل والنوم بوصفهما علاجاً للكسل، نتطرّق إلى أمرين آخرين بوصفهما علاجاً للكسل أيضاً. الأول: استحضار الهدف: فلا حياة بدون غاية وهدف، ولا عبثيّة في الحياة الدنيا، وإنّما لا بدّ لوجود الإنسان من أهداف، وقد بيّن (سبحانه وتعالى) الهدف العام فقال: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)/(الذاريات: 56)، وهذا لا يُنال بالتمنّي والتواني والتسويف، وإنّما بالسعي والجهد والعمل. هدى: من المهمّ لخلق الدافعيّة والحركة نحو الهدف والعمل على تحقيقه معرفته واستحضاره دائماً ليكون الفرد على بيّنة ودراية هل هو في الاتجاه الصحيح في سيره نحو الهدف أم لا؟ هل هو آخذ في الاقتراب منه أم لا؟ إذ كلّما شعر أنّه طوى خطوات وقطع أشواطاً ازداد نشاطاً وحماساً لطيّ بقية الخطوات، وازداد حيويّة لقطع بقية الأشواط حتى يقترب أكثر من هدفه. بينما فقدان الهدف يُكسل الإنسان ويجعله متقاعساً، والجهل به أو غيابه مثبط ومجمّد. حوراء: لماذا أسعى؟ ولماذا أقرأ وأتزوّد معرفةً وعلماً؟ لماذا أزداد إيماناً وهدىً؟ ولماذا أعمل صالحاً وأبذل جهداً وأنجزُ عملاً؟ ليلى: شكراً لهدى على التوضيح، وشكراً لحوراء على السؤال، ففي قوله تعالى: (.. إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ..)/(الانفال: 65)، هذه الآية قد تكون شاهداً على تأثير وضوح الهدف وحضوره في عطاء الإنسان ونشاطه من جهة، ومن جهة أخرى هي شاهد على تأثير غياب الهدف في وجود الكسل والتقاعس، فالمؤمن الهدف لديه واضح ويُدرك أنّه مقدّس يستحقّ التضحية، وهو على يقين وإيمان بالسعادة الأبديّة ما بعد الموت، وهذا الوضوح ولّد لديه نشاطاً وقوةً توازي بل تزيد على قوة عشرة أشخاص. أمّا لماذا العشرة أشخاص أضعف منه؟! لأنّهم بلا هدف في الحياة، ولأنّهم جهّال يجهلون هدفهم، ووصفهم القرآن الكريم: (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ)/(الأنفال: 65)، فشخص واحد مع وضوح الهدف يغلب عشرة مع ضبابية الهدف أو انعدامه. الثاني: العزم والإرادة: ضعف الإرادة تعني الكسل، وفقدان التصميم والعزم يعني الخمول والفشل، ولذا من العلاجات المهمّة تقوية الإرادة، فالحياة مليئة بالمشاكل والتحدّيات، وإذا لم يتحلّ المرء بعزم عاش الإحباط والفشل. زينب: ما معنى العزم؟ ولماذا أُطلق على بعض الأنبياء لقب "أولو العزم"؟ ليلى: العزم هو الإرادة الصُلبة والقوية، و"أولو العزم" هم أصحاب الشرائع والأديان، أُطلق على خمسة من الأنبياء، وهم نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، واجهتهم مشاكل وتحدّيات كانت صعبة شديدة، وقابلوها بإرادة صلبة وعزم شديد، فنوح(عليه السلام) كابد ٩٥٠ سنة من الاستهزاء والسخرية والكفر والعناد، وإبراهيم(عليه السلام) أُلقي في النار، وموسى(عليه السلام) آذاه قومه مع كلّ البيّنات التي جاءهم بها، وعيسى(عليه السلام) كفروا به، وأمّا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: "ما أُوذي نبيّ مثل ما أوذيتُ"(2)، ولكن بالعزم والتصميم انتصرت إرادتهم ورسالاتهم. ولذا حثّت الروايات على التحلّي بالعزم في الحياة وعدّته علاجاً للكسل، ودواءً له، فعن أمير المؤمنين(عليه السلام) قال: "ضادّوا التواني بالعزم"(3)، وعن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: "اللّهم وقد علمتُ أنّ أفضلَ زاد الراحل إليكَ عزم إرادة"(4). ...................................... (1) بحار الأنوار: ج ٣٩، ص 56. (2) ميزان الحكمة: ج٣ ، ص 246. (3) المصدر السابق. (4) بحار الأنوار: ج 83، ص 318.