رياض الزهراء العدد 164 لنرتقي سلم الكمال
(كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ)(الفجر: 17)
قال الله تعالى: (وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيم)/(الفجر16-17)، الآية الكريمة لم تحصر حاجات اليتيم بالإطعام، بل بالإكرام؛ لأنّ الوضع النفسيّ والعاطفيّ لليتيم أهمّ بكثير من مسألة جوعه، وقد حثّ الله تعالى في كتابه الكريم على رعاية الأيتام؛ لأنّهم جزء من قوّة الأمّة، ورغّب في مخالطتهم، والرفق بهم، ومبادلتهم المحبّة ودمجهم في المجتمع، بقوله تعالى: (ويَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ)/(البقرة: 220). ثلاثة حقوق ركّز عليها القرآن الكريم في رعاية الأيتام: 1- حقّ النفقة: (وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ)/(البقرة: 177). 2- حقّ الحفاظ على أموال اليتيم: (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ)/(الأسراء: 34). 3- حقّ الإحسان لبقاء التلاحم الاجتماعيّ بين أفراد الأمة: (لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ)/(البقرة: 83). ورُوي عن أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام): "اَللهَ اَللهَ فِي اَلْأَيْتَامِ فَلاَ تُغِبُّوا أَفْوَاهَهُمْ وَلاَ يَضِيعُوا بِحَضْرَتِكُمْ"(1)، فصلاح اليتيم وإصلاحه يقتضي انخراطه في المجتمع؛ ليتعلّم القِيم السامية، وينشأ نشأة متوازنة، فيكون فرداً صالحاً في المجتمع وهذا يتطلّب تعاون الجميع، فلا يُكتفى بالأعمال الفرديّة حتى لا يعيش اليتيم حالة الانكسار والذلّة، ويجب الحذر من إيذائه ولو بكلمة قاسية أو نظرة ازدراء من شأنها إلحاق الضرر النفسيّ به. رُوي عن الإمام الصادق(عليه السلام): "ما مِن عبدٍ يمسحُ يَدهُ على رأسِ يتيمٍ رحمةً له إلّا أعطاه الله بكلّ شعرةٍ نوراً يوم القيامة"(2)، واليوم أثبتت الدراسات العلميّة بعد القيام بتجارب على أيتام بعضهم مُسح على رؤوسهم، وبعضهم لم يُمسح، فوُجد أنّ الأيتام الذين مُسح على رؤوسهم أكثر نشاطاً وأسرع شفاءً من الأمراض ويزيد وزنهم، وتقلّ عدوانيّتهم ومشاكلهم بالمقارنة مع الأيتام الآخرين. إنّ الشريعة الإسلاميّة لفتت الانتباه إلى ظاهرة اليُتم بأن جعلها الله محلّاً للأعمال الصالحة، وسبباً من أسباب المغفرة ودخول الجنّة بإذنه تعالى. لذا فإنّ برّ اليتيم وحسن تربيته يُعدّان من معالم الإيمان الكامل. ........................................ 1- شرح نهج البلاغة: ج17، ص 5. 2- تفسير الأمثل:ج20 ، ص118.