"لَيسَ مِنَّا مَن أَخلفَ الأَمانَةَ"(1)
زهراء وزينب مشغولتان بالحديث في زاوية من زوايا الغرفة، ليس من عادتهما تفويت فرصة حضور مجلس الثلّة الطيّبة، ثمّ احتدم النقاش بينهما، ورأت أمّ حسين بفراستها المعهودة ضرورة التدخّل. - أمّ حسين: ماذا هناك يا فتيات لِمَ الانعزال؟ - أمّ جعفر(مازحة): نحن نحترم خصوصيّة بناتنا، ولكن ربّما يحتاج الموضوع إلى خبرة الأكبر سنّاً. - زينب: حسناً نحن فعلاً بحاجة إلى مشورتكم، فمنذ مدّة أودعت إحدى بنات المدرسة صندوقاً عندنا، يبدو أنّ فيه أشياءَ شخصيّة مثل الصور والدفاتر (المفكرات)... - زهراء: أليس من الخيانة فتح الصندوق؟ - زينب: لكنّها تأخّرت عن موعد استلامها. - أمّ عليّ: ولكن يا عزيزتي هذا ليس مبرراً لفتحه، لقد ائتمنتكما على سرّها، وواجبكما هو حفظ الأمانة. - أمّ حسين: إنّ الله تعالى أمرنا بأداء الأمانة فقال(سبحانه وتعالى): (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)/(النساء: 58). - أمّ جعفر: وقد رُوي عن نبيّنا (صلى الله عليه وآله وسلم) في تقييم المؤمنين قوله: "لا تنظروا إلى كثرة صلاتهم وصومهم وكثرة الحجّ وطنطنتهم بالليل، ولكن انظروا إلى صدق الحديث وأداء الأمانة"(2). - أمّ عليّ: بل جعلها العلامة الفارقة بين المؤمن المتديّن عن غيره، حيث قال(صلى الله عليه وآله وسلم): "لا إيْمانَ لِمــَنْ لا أمانَةَ لَهُ "(3). - أمّ حسين: بل أكثر من ذلك عزيزاتي، إليكم الحديث النبويّ الشريف فتدبّروا فيه: "ليس منّا من أخلف الأمانة"(4). - زينب: إنّها مجرّد زميلة غير متديّنة، وهذه الأشياء لا تبدو ثمينة، وأنا سأضمنها لها. - أمّ عليّ: ما الذي تقولينه حبيبتي! إنّ أداء الأمانة واجب مع أيّ كان، فعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) في وصيّته إلى الإمام عليّ(عليه السلام) وهي لنا بالتأكيد: "يا أبا الحَسَنِ أَدِّ الأَمانَةَ للِبَرِّ والفاجِرِ فِي ما قَلَّ وَجَلَّ حتّى فِي الخَيطِ وَالمَخِيطِ"(5). - زهراء: فضلاً عن أنّها وثقت بنا دون غيرنا، فمن المَعيب أن نخون الثقة! - أمّ حسين: أحسنتِ، بارك الله فيكِ. - أمّ جعفر: ينبغي علينا أن نعرف أنّ للأمانة معنىً أعمّ وأشمل، فالحاكم مأمون على أمور الأمّة، والمحكوم مأمون على أداء واجبه كاسباً كان أم موظّفاً، حتى الأبوان مأمونان على تربية أبنائهم، وكذلك الناصح عليه أن يكون أميناً في النصح والإرشاد. - أمّ عليّ: إنّ الأمانة مدعاة إلى ألفة القلوب، والاحترام والوقار، ولقد عُرِف نبيّنا بالصادق الأمين(صلى الله عليه وآله وسلم) حتى قبل دعوته، ممّا فنّد حُجج الناكرين لدعوته، وجذب إليه القلوب المتعطّشة إلى الصدق والأمانة في مدّة مظلمة انتشر فيها الكذب والغدر. - أمّ حسين: من عظمة آثار أداء الأمانة في الآخرة ما نسمعه عن الإمام الصادق(عليه السلام): "مَن أُؤتمن على أمانة فأدّاها فقد حلّ ألف عُقدة من عنقه من عُقد النار"(6). - أمّ حسين: أمّا آثارها في الدنيا فعن الإمام الصادق(عليه السلام): "الأمانة تجلب الغَناء، والخيانة تجلب الفقر"(7). - أمّ عليّ: وأزيدكم ممّا أوصى به لقمان ابنه: "يا بُنَيَّ أَدِّ الأَمانَةَ تَسلَمْ لَكَ دنياكَ وَآخِرَتُكَ وَكُنْ أَمِيناً تَكُن غَنِيّاً"(8). - زينب: ها أنا أعتذر، الآن قد اتّضحت لي مسألة الأمانة. - أمّ عليّ: هدانا الله جميعاً لما يحبّ ويرضا. هتف الجميع بصوتٍ واحد: اللّهم آمين. .......................................... 1- أخلاق أهل البيت(عليهم السلام): ج17، ص1. 2- ميزان الحكمة: ج9، ص18. 3- ميزان الحكمة: ج1، ص231. 4- أخلاق أهل البيت(عليهم السلام): ج17، ص1. 5- الأخلاق في القرآن: ج66، ص13. 6- بحار الأنوار: ج72، ص114. 7- ميزان الحكمة: ج1، ص232. 8- الأخلاق في القرآن: ج66، ص15.