رياض الزهراء العدد 164 لحياة أفضل
وَشَبابَكَ فِيما أَفنيتَ؟
كم من أموات يحيون على هذه الأرض ويمشون في مناكبها! وكم من أحياء ميّتون دُفنوا ساكنين في أراضيها! يكمن السرّ في الوجود الأبديّ لـ(سرّ الحياة)، ذلك القنديل الذي نحملهُ داخلنا هو ما يُضيء عتمة الدُنيا، لو أوقدناه حقّاً سنعلمُ حينها كيف نعيش ونحيا فعلاً بتلك الطاقة الهائلة القابعة داخل ذلك الجسد البشريّ الفاني. لعلّ الاستغلال الأمثل لتلك الطاقة الهائلة ينعكس في مرحلة الشباب، تلك المرحلة من عمر الإنسان التي يكون فيها الفرد محطّ أنظار الكُلّ، حتى نفسه ذاتها تتوقّع منه الإنجاز وتقديم الكثير، لكن ويا للأسف يلجأ الكثير في تلك المرحلة إلى التسويف والمماطلة، وعدم الأخذ بالأسباب لتحقيق ما يطمحون إليه، بل نرى الكثير منهم يلجؤون إلى الأعذار وإلقاء اللوم على الظروف والآخرين ممّن حولهم و يعزون سبب فشلهم إلى كلّ ذلك؛ فنجدهم كسالى، غالبًا ما تطغى عليهم المشاعر السلبيّة و يطمحون إلى اللاشيء. تلك المشاعر الباهتة والبرود والسكون السلبيّ لابدّ من تغييرها، واستغلال الظروف مهما كانت وتحويلها إلى دافع و حافز نحو الأفضل. إنّ آليّة تغيير المشاعر والظروف لا تكون آنيّة، ولا تحدث فجأةً، بل تحتاج إلى مدّة لا بأس بها، والكثير من التدريب والعمل والمثابرة، فأول الخطوات نحو التغيير تكمن في تغيير الأفكار والذات الداخليّة، والعمل على تطويرها حيث يقول الله(سبحانه وتعالى):(إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ)/(الرعد: 11)، أي أنّ الله(سبحانه وتعالى) يوضّح كيف أنّ التغيير من الداخل سينعكس على الحال الخارجيّ، وكيف أنّ إصلاح الذات والروح سوف ينعكس على خارج الإنسان ابتداءً من الصحّة، والعلاقات، والعمل، وإلى غيرها من أمور تتعلّق بحياة الفرد الشابّ، وكلّ مَن يُحيط به. لا يمكن أن يتحقّق التغيير نحو الأفضل بصورة عشوائيّة وغير مخطّط لها؛ فلابدّ من أن يكون هناك منهج، أو خريطة، أو دستور ما لاتباعها كخطّة للمسير باتجاه معيّن؛ مثلما في قوانين المِلاحة تمامًا.. هناك رحلة وعلينا أن نتجهّز لها ونستعدّ لكلّ ما سيواجهنا، لكنّ الأهمّ أن نبدأ بوضع خريطة نمشي على أثرها ومسلك محدّد نرسمُه في عقولنا أولاً، ومن ثمّ العمل واستخدام المجهود الجسمانيّ كي تتحقّق الغاية المطلوبة . إذن لكي يتغيّر واقع الإنسان الشابّ نحو الأفضل لابدّ من أن تتوافر فيه نيّة التغيير الحقيقيّة، ومن ثمّ ترتيب الأفكار وفقَ تلك النيّة، ومن بعدها التوكّل على الله(سبحانه وتعالى)، والمباشرة بالعمل وَفق ذلك الترتيب. فالنيّة وحدها لا تكفي لتحقيق المُبتغى، ولابدّ من إقرانها بالعمل وحُسن التوكّل على الله(سبحانه وتعالى)؛ لكي يتمّ التغيير والنقلة النوعيّة في حياة كلٍّ منّا.