عَلَّمَتني نَحلَةٌ

زينب عبد الله العارضيّ/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 147

مع إشراقة كلّ صبح جميل تهبّ إلى العمل، تنتقل من زهرة إلى أخرى لتصنع العسل، شِعارها التعاون ودِثارها الأمل، مخلوقة مباركة تحدّث عنها الكتاب العزيز، وضُرب المثل بها في الروايات، تُرى لِمَ لا نكون مثلها في عملها ونشاطها، ودقّتها وهمّتها، وجميل صُنعها وعظيم أثرها؟ كوني كالنحلة.. سلسلة مقالات هادفة، تأخذكم في جولة رائعة إلى عالم النحل العجيب، و تدعوكم إلى العمل الدؤوب. عندما نراجع الكتب التي تحدّثت عن حياة النحل وأسرار عالمه المذهل، نجد أنّ خليّة النحل هي بمثابة جسم نابض بالحياة، يترابط أفراده ترابطاً منظّماً وثيقاً بحيث يكون لكلّ فرد منهم عمل محدّد يُنجزه قد أُوكل إليه بحسب قابليته واستعداده، فهناك مَن يصنع العسل، وهناك مَن يقوم بأعمال التنظيف وتهوية الخلايا، وهناك فِرَق استطلاعيّة ترصد أهمّ المواقع التي ينبغي زيارتها لجمع الرحيق، وهناك فِرَق حراسة تحمي الخلايا من اللصوص والحشرات المفترسة، ويترأّس هذه الخليّة ملكة قد زوّدها الخالق سبحانه بإمكانات خاصّة تتمكن عن طريقها من إدارة أفراد مجموعتها، ووجودها نفسه يبعث في الأجواء الاطمئنان، ويشجّع النحلات على العمل، فتبارك الله أحسن الخالقين. وما نتعلّمه اليوم من عالم النحل حُسن الإدارة وتوظيف الطاقات. تُرى كيف ستكون الحياة في البيوت أو المؤسّسات لو انعدمت الإدارة وأُهملت الطاقات؟ لنتخيّل مدرسة يتلقّى فيها الفرد علومه وقد عمّها سوء التدبير والفوضى، فلا إدارة ترعاها، ولا نظام يحكمها! لا شكّ في أنّه لا يُرتجى أيّ خير منها؛ لأنّها ستبدّد الطاقات، وتُهدر الأوقات، وكذا الحال في كلّ مكان يتواجد فيه الإنسان، فلابدّ من تواجد إدارة ناجحة تنظّم سير العمل، وتضمن الوصول إلى الأهداف المنشودة، بدءاً من البيت ووصولاً إلى جميع مرافق الحياة. إنّ نجاح العمل في أيّ مكان يتوقّف بشكل كبير على طبيعة المدير الذي يديره وشخصيّته، فمع اختلاف الطاقات وتباين القدرات واجتماع الجميع تحت ظلّ مؤسّسة ما، يمكن للمدير الناجح أن يلحظ هذه الفروق ويقيّم الأشخاص، ويحدّد مجالات إبداعهم ومهاراتهم، فيقوم بتوظيفها في مجالها الصحيح ومكانها الملائم، بحيث يشعر كلّ فرد بأهميّة الدور الذي يقوم به، فينطلق بكلّ شغف لأداء مسؤوليّته. والمدير الناجح هو الذي يقوّي صلته بالعاملين معه، بحيث يشعرون بالأنس والراحة عند وجوده بينهم، مع حرصه الدائم على توضيح أهداف العمل والغايات التي ينبغي أن يصل إليها بجهودهم، وقدرته على حلّ المشكلات ومواجهة الأزمات التي قد تعترض طريقه أو طريقهم، مع إزالة رواسب الإحباط وبثّ الأمل والتفاؤل في نفوسهم، لتنطلق طاقاتهم ويبرز أثر إبداعهم. وكلّ ما تمّ ذكره يمكن تطبيقه في أيّ مكان يضمّ أفراداً يتميّز كلّ واحد منهم عن الآخر بمهارات وقابليّات يمكن أن تُصهر جميعها في بوتقة واحدة؛ لتصنع كياناً متماسكاً ناجحاً، تماماً كخليّة النحل التي سنتوقّف عندها في الأعداد القادمة.