رياض الزهراء العدد 164 الحشد المقدس
عَينُ الحَقِيقَةِ
بين صولة وصولة يتدفّق دم الشهادة، وتنغرس المواقف كالأشجار الراسخة في الذاكرة، وللسواعد التي تحمل الرايات والبنادق رديف هي الأكتاف التي تحمل عدسات التصوير، والأكفّ التي تكتب وتوثّق حقيقة البطولة، فألوان الدفاع شتّى، يجمعها بطل (الكاميرا) بعينه، ويوثّقها بشجاعته وصبره بطل القلم، غير آبه بحرّ ولا ببرد، بل غير آبه بالموت في سبيل بيان حقيقة الحَدث ووضع النقاط على الحروف، يتوسّط أفواج المقاتلين ويواكب تحرّكاتهم، له مع كلّ بطل حديث موثّق، يؤنسنا نحن القابعات في بيوتنا بأنغام العقيدة الواثقة، وأهازيج البطولة المنتصرة، فهو بيننا وبينهم كساعي البريد، يحمل رسائل البشارة للمترقّبين حلول فجر النصر، ويحمل بريد النُذُر الرادعة للمتصيّدين في الماء العَكِر، المتربّصين بالعراق السوء، عليهم دائرة السوء.. أبطال الإعلام الحربيّ.. آمنوا بالقضيّة فزادهم إيمانهم هدىً وبصيرة، يستبقون الأحداث متأهّبين خوفاً من أن تفلت منهم لحظات البطولة، لا يبخلون بالنفوس، فكم قدّموا من فداء لهذا الوطن، شهداء وجرحى رحلوا بقلوب بيضاء ونوايا صافية، تشهد لهم سُوح الدفاع بالمثابرة والابتسامة، ويشهد لهم رفاقهم بعلوّ الهمّة، أسماؤهم محفورة على السواتر، وصُوَرهم تكحّل عيون الوطن من شماله إلى جنوبه، يبدأون بالوصايا من أول يوم، فهم مشاريع استشهاد في سبيل الوطن والعقيدة. هم وجه آخر للنصر، فقد وثّقوا لما يدوم، أرّخوا للغد وما بعده، فهم يعلمون أنّ اللحظة راحلة لا يبقيها إلّا التوثيق، ولا يمدّ في عمرها إلّا حضورها.