رياض الزهراء العدد 164 الحشد المقدس
شَهِيدٌ وابنُ شَهِيدٍ
اتّكأتْ على الجدار لتمسح قطرات العرق التي رشحت على جبينها من أثر حرارة التنّور وحرارة الصيف اللاهب، ثم عادت مسرعة إلى التنّور لتخرج الخبز حتى لا يحترق، فلا بدّ من أن تعتني بكلّ الأرغفة؛ لأنّها مصدر رزقها، وإلّا فلا أحد سيشتري منها الخبز... مرّت الأيام والسنينُ وهي على هذا الحال تتأمّل صغيرها ليكبر ويحمل عنها متاعب الحياة الشاقّة، ويتكفّل بمعيشة أخواته، كلّ يوم كانت تقف أمام صورة زوجها الشهيد تنظر إليها بألم والدموع تملأ عينيها، تتذكّر ذلك اليوم الذي تلقّت فيه خبرين، أحدهما خبر حملها بأمجد، والثاني خبر إعدام زوجها على أيدي جلاوزة النظام الجائر، هناك تحوّلت الفرحة إلى حزن، والبسمة إلى دمعة، وبينما هي غارقة في بحر الذكريات وإذا بصوت أمجد يناديها: أمّي سأذهب مع صديقي، فهل تحتاجين شيئاً؟ قبّلت جبينه وهي تقول: لا يا ولدي ولكن لا تتأخّر، وما إن ذهب حتى رفعت كفّيها نحو السماء تدعو له كعادتها عندما يغادر المنزل، ولا يطمئنّ قلبها إلّا بعودته وتراه أمامها مع أخواته. استمرّت بدعواتها هذه إلى أن أصبح في سنّ الخامسة عشرة ويُشبه أباه خَلقاً وخُلُقاً، بل إضافة إلى هذا شعوره بالمسؤوليّة جعله يترك الدراسة ليعمل في محلّ لتصليح السيّارات؛ ليعوّض أمّه عن كلّ ما فات، ولو كان هذا الشيء بمثابة صدمة قويّة حطّمت حلمها بأن تراه بأعلى المراتب العلميّة، ولكنّ اللوم لا يُجدي نفعاً سوى تقليب مواجع الماضي والحرمان، أرادت له ما تتمنّاه، وأراد لها الراحة من بعد ذلك العناء، وبين الإرادتين إرادة أخرى وهي إرادة تلبية نداء المرجعيّة التي لم تضعف أمام دموع الوداع، ولم تنكسر بكلمات الحنان، بل راحت نحو المنيّة لتحمل روحه إلى الجنان وخلفها جسده الممزّق الذي أصبح عنواناً لشهيد وابن شهيد.