رياض الزهراء العدد 164 جائحة كورونا
"إِيّاكُم والمُحقَّراتِ مِن الذُّنوبِ"(1)
يتحيّن الانتهازيّون ومن غزا الطمع نفوسهم الفرصة لاستغلال أبناء جلدتهم في الظروف الصعبة بالطريقة المتاحة لديهم بوصفها فرصة رابحة لا تفوّت، طاردين ذلك الإحساس الذي ينبئهم بحاجة المحتاج والمعوز، فلا تفرقة لديهم بين الفقير والغنيّ، والمكسب الماديّ هو عماد أهدافهم. في زمن كورونا وانتشار الوباء، وكثرة الأمراض المرافقة لهذه الغائرة الشرسة التي فتكت بالملايين من البشر بين مصابٍ ومتوفٍّ، زادت شكوى الناس من استغلال الأطبّاء لحاجة الناس إلى العلاج والخدمات الطبيّة، وتسيء هذه السمعة إلى الأطبّاء الذين يمدّون يد العون إلى المعوزين بكشفٍ مجّاني أو أجور كشفٍ زهيدة. وفيما تبدأ معاناة أناس آخرين وشكواهم من غلاء أجور الأطبّاء في العيادات الخاصّة بغضّ النظر عن الحالة المرضيّة أكانت واضحة وبسيطة أم معقّدة، وهل يلزم تحويلها إلى مختبرات التحليل والسونار والأشعة، ينفّذ المريض طلبهم مُجبراً لا مجال لديه للنقاش أو الرفض، وآخر محطّة هي ارتفاع أسعار الدواء واختلاف سعره بين صيدليّة وأخرى، فتتضاعف آلام المريض، ويرجع إلى بيته مقهوراً متحسّراً على المبلغ الكبير الذي أنفقه، وممّا يواسيه ويشدّ من أزره ويرفع من معنوياته هو أمله بنجاح التشخيص، وقدرة الدواء على علاجه. إنّ من بين الأسباب المقنعة للمضيّ في طريق الطمع والجشع بالنسبة إلى بعض الذين يُطلق عليهم الأيادي الرحيمة ويجعلهم يتمادون في الاستغلال هي استصغار هذا الذنب لإقناع الذات، حتى يُخرس الضمير ويُدفن تأنيبه بدون أن يتخيّلوا ولو للحظة ماذا يعني أن يتجرّع الإنسان المرض لكون نقوده لا تكفي متطلّبات العلاج الإضافيّة. ولا يقتصر الأمر على الأطبّاء فقط، فالعاملون بالطبّ البديل وأصحاب العطارة لهم دور في استغلال لهفة المريض على العلاج ليوهموه بخلطات عشبيّة لا تملك من مقوّمات الشفاء سوى النسبة القليلة، بينما يصفونها له بقدرتها الكبيرة والتامّة على الشفاء مقابل أسعار مضاعفة. تذكّرنا هذه الأفعال التي استشرت بين بعض الناس استصغاراً لها، بقصة للنبيّ محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) وقد كان مع أصحابه في إحدى سفراتهم، إذ نزلوا بأرض جدباء لا نبت فيها ولا ماء، وكانوا قد احتاجوا إلى الحطب، فقال النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) لأصحابه: اجمعوا حطباً، فقالوا: يا رسول الله نحن بأرض جرداء لا حطب فيها، فقال: فليأتِ كلّ فرد بما يقدر عليه، فشرع الصحابة بجمع ما يشاهدونه من أشواك ونباتات يابسة صغيرة، ثم جاءوا بها إلى الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، فتجمّع من الحطب مقدار كبير، فقال النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم): "هكذا تجتمع الذنوب الصغيرة مثلما اجتمع الحطب"، ثم أردف قائلاً: "إيّاكم والمحقّرات من الذنوب فإنّ لكلّ شيء طالباً، ألا وإنّ طالبها يكتب ما قدّموا وآثارهم وكلّ شيء أحصيناه في إمامٍ مبين"(2). ................................... (1) وسائل الشيعة: ج ١٥ ، ص ٣١١. (2) وسائل الشيعة: ج2 ، ص462.