رياض الزهراء العدد 164 منكم وإليكم
جَعفرُ أَيُّها الطَّيّارُ
حينما شدّدت قريش أذاها على المسلمين هاجروا إلى الحبشة طالبين من الملك (النجاشيّ) إيواءهم، وكان لجعفر دور كبير؛ حيث ذكر التاريخ خطابه مع ملك الحبشة، وكذلك كان له دور في الحروب، حيث قاتل ببسالة وشجاعة، كيف لا وهو من بني هاشم الذين لا يقف أمامهم إلّا مَن يحمل قلب أسد، وبعد الحروب العديدة شاء القدر وجرى القلم بأن يرحل، ففي سنة (8) للهجرة جرت غزوة مؤتة ضدّ الجيش الرومانيّ الجرّار، وحارب جعفر وقاتل بشجاعة حتى قُطِعت يده اليمنى ثمّ اليسرى، وكان يقاسي الألم لكنّه استمرّ بحمل لواء الإسلام، حتى اشتدّ الحصار، فاحتضن اللواء بين جنبيه ليبقى مرفوعاً، إلى أن فاضت روحه الطاهرة إلى الله وهو يؤدّي آخر غزواته مع النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، ويخطّ بدمه أجمل الكلمات في نصرة الإسلام، وصل الخبر الأليم إلى مشارف المدينة، وجاء النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) يحمل في عينيه الحزن والدموع، فرأى مشهداً يُرثى له من فقدان العزيز، حيث وجد زوجة جعفر(رض) وأولاده يندبون الفقيد، فخيّم الحداد والحزن على "آل أبي طالب"، لكن رغم عمق الحزن كانت سعادة جعفر(رض) الذي كان يحلّق بجناحيه اللذين أبدلهما الله له ليحلّق في ملكوت الحبّ الإلهيّ بالغة، كان يرى حلاوة اللقاء بالله أجمل ألف مرّة من الدنيا، كان يرى دموع أهله وأحبّائه، ويتمنّى أن يواسيهم ويُريهم مكانه في جنّات الفردوس, جعفر(رض) لم يُذكر في تاريخ عادي وزمن بسيط، ولم يكن من الرجال الذين ليس لهم أثر بين صفحات الإسلام، بل كان سيّداً من سادة التاريخ. هو لم يُنْسَ ليُذكر، بل ذكره باقٍ حيّ، لكن أقسى آلام الحكاية ألم الإمام عليّ(عليه السلام)، فاليوم فَقَد أخاه جعفراً، وغداً النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، وبعدها ألم فَقد السيّدة فاطمة الزهراء(عليها السلام) وغصّته، فتراه يسير في موكب الأحزان وحيداً فلا يجد غير البئر الذي امتلأ بدموعه الشجيّة على فقد أحبّته، فساعد الله قلبكَ يا سيّدي ومولاي يا عليّ(عليه السلام). .................................. 1- يراجع كتاب الكافي للكلينيّ: ج1، ص389.