رياض الزهراء العدد 164 منكم وإليكم
قَبَسٌ من نُورِ الإِمَامَةِ
"زينب"، اسمٌ طوى بين حروفه نادرةً من نوادر الكون، وآية إبداعٍ في خلق الله(سبحانه وتعالى)، وملتقى آيات العظمة، ومفخرة التاريخ، صاحبةُ الحياء والعفّة، والصفاء والعاطفة، كلمةُ الحسين(عليه السلام) وروح نهضته، وصوته الذي دوّى من كربلاء إلى الشام، ومنها إلى المدينة المنوّرة وكلّ بقاع الأرض حتى وَصَلنا صداه، فيكشفُ الزّيف ويُعرّي الظالم في كلّ زمان. كلّها معطيات لولادة السيّدة زينب(عليها السلام) التي كانت في الخامس من شهر جمادى الأولى في السنة الخامسة للهجرة: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ)/(النور:36)، وفتحت الوليدة المباركة عينيها تتطلّع إلى وجوهٍ أكرمها ربّ العزّة عن أن تسجد لصنمٍ قطّ، مُتسلسلةً في أصلاب الطاهرين والأرحام المطهّرات. وحَمَلت سيّدةُ نساء العالمين فاطمة(عليها السلام) وليدتها إلى خير الخلق بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، أميرِ المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) تسأله أن يختار للنسمة الطاهرة المباركة اسماً، فأبى أن يَسبِق رسولَ الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فانتظره حتى عاد من سفره، لتحمل الزهراء(عليها السلام) وليدتها إلى أشرف الكائنات فأُوحي إلى خاتم الرُسل(صلى الله عليه وآله وسلم) من الوحي اسماً لها، فسمّاها "زينب".(1) من غير المعهود أنّ الأب أو الجدّ إذا رُزِقا ولداً أو حفيداً بكيا وانتحبا وذرفا الدموع سِخاناً، فلماذا يحدّثنا التاريخ أنّ الحسين(عليه السلام) حَمَل إلى أبيه أمير المؤمنين(عليه السلام) بشارةَ ولادة أخته زينب(عليها السلام)، فبكى بكاءً شديداً لمّا بُشّر بولادتها، فسأله الحسين(عليه السلام) عن علّة بكائه، فأخبره أنّ في ذلك سرّاً ستبيّنه الأيّام. وذكر أهلُ السِّيَر أنّ العقيلة زينب(عليها السلام) كان لها مجلس خاصّ لتفسير القرآن الكريم تحضره النساء، وليس هذا بمُستكثَر عليها، وأهلُ البيت أدرى بالذي فيه، وخليقٌ بامرأةٍ عاشت في ظِلال أصحاب الكساء وتأدّبت بآدابهم وتعلّمت من علومهم أن تحظى بهذه المنزلة السامية والمرتبة الرفيعة. وذكر السيّد نور الله الجزائريّ في كتاب "الخصائص الزينبيّة" أنّ السيّدة زينب(عليها السلام) كان لها مجالس في بيتها في الكوفة أيّام خلافة أبيها أمير المؤمنين(عليه السلام)، وكانت تفسّر القرآن للنساء، وفي بعض الأيّام كانت تفسّر قوله تعالى: (كهيعص)/(مريم: 1)، إذ دخل عليها أمير المؤمنين(عليه السلام) فقال لها: "يا قرّةَ عيني، سمعتكِ تفسّرين (كهيعص) للنساء، فقالت: نعم. فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): هذا رمز لمصيبة تُصيبكم عترة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، ثمّ شرح لها تلك المصائب، فبكت بكاءً عالياً"(2). وكلام الإمام زين العابدين(عليه السلام) يدلّ على المنزلة العلميّة الرفيعة التي ارتقت إليها عقيلة الهاشميّين(عليها السلام)، فهي عالمة بالعلم اللدُنّيّ المُفاض من قِبل ربّ العزّة تعالى، وليس بالعلم المتعارَف الذي يُكتسب بالدرس والبحث. .................................... (1) زينب الكبرى: ص21. (2) الخصائص الزينبيّة: ص68.