لا مِثلَها رَزِيّةٌ

نرجس مهدي/ كربلاء المقدسة
عدد المشاهدات : 161

رقيقة الوجود، جوهرة القداسة، هديّة المنّان، وتحفة الرحمن، أهداها الله(سبحانه وتعالى) إلى المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم) من أطهر الأغصان .. مهجة قلب الرسول وبهجة الجنان، قدّيسة عالم الإمكان.. ابنة التنزيل، وربيبة الوحي والتأويل.. محور الخمسة من أصحاب الكساء، أتحفها الباري لسيّد البريّة، مواهب عظيمة، وسنيّة، وبضعة طاهرة مطهّرة، تنوّرت الدنيا بنور الدرّة البهيّة.. بتول تبتّلت من كلّ دنس، فأذهب الله(سبحانه وتعالى) عنها كلّ رجس.. بها انتشت أمّها المصونة، فأشرقت في حجرها كدرّة بيضاء مكنونة.. فاسمها في الأرض الزهراء(عليها السلام)، لكنّها المنصورة في السماء.. بحر الندى، وقلب الهدى، وأمّ الأئمة النجباء.. كم أوصى بها الهادي حبيبها، ناداها: مُهجتي، بضعتي، يا قوم لا تؤذوها، دموع عينها لا تجروها، وحرمة بيتها لا تهتكوها.. ماذا جرى عليها بعد عزّها وفراق أبيها؟؟ وبعد أن هزّت رياح الحقد أفنانها، أيّ أمّة بالأسى ودّعت نبيّها ثمّ على الأعقاب كان انقلابها؟! أمست حزينة وقلبها من فرط الأسى يُكوى، بروحها تنازع، وبعبراتها تتعثر.. بالأمس راح عزّها .. أهكذا تُواسى ابنة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)؟! أيجمعون حطباً على باب دارها؟! فأين آية المودّة، هل نسخوها ونسوها؟! أم سنّة الله(سبحانه وتعالى) قد بدّلوها؟! فيا لهفي لها لمّا توارت، وبحجابها خلف بابها لاذت.. فآمالي كلّها شابت، وجرحي ينزف بالأسى دموعاً، كيف لا وابنة الطهر رضّوا جنبها، فأحشائي لها تلوع .. قد كسروا للعرش ضلعًا، فاسودّت السماء، وتساقطت دموعها على غبرائها دماءً، وكوكب درّي قد هوى صريعاً، مرمّلاً على الأعتاب، قد غاله الأصحاب.. وصوتها أيا فضّة أدركيني، قد أطفأ بالحزن عمري وسنيني.. لملمت آهاتها جفوني وتأجّجت نار الحشا، لهجمة العِدا على بنت الهدى !! أيحرقون بابها بالنارِ؟! وفيه آية التطهير والأسرار؟! وكان حبيب الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يطرقها بخفّة، مستأذناً لدخول بيت العفّة، أيمنعونها من البكاء على أبيها؟! لِمَ في ليلٍ أو نهارٍ حدّدوها؟ وإلى أطراف المدينة أخرجوها! وسدرة تظلّها قلعوها؟! ميراث حقّ استحكموا جورًا على اغتصابه، واسودّت الدنيا وضاق الفضا على الرغم من رحابه.. عزيزة المختار، وسيّدة النساء قد لفّها الحزن عباءة.. ودوحة المجد تعصب رأسها، نحيلة صارت كظلّها.. تذوب كالشموعِ، دموعها تجري عند الأصيل والطلوعِ.. إلى أن اقتربت من روحها المنيّة.. أوحت إلى ابن عمّها بتلك الوصيّة، أن تُدفن في ظلام الليلِ، ويُعفى قبرها ولا يُترك عليه من دليلِ .. تركت دنياها بعمر الورد، أُيتم أولادها فحُرموا نبع الشهدِ... وأظلمت الدنيا لفراقها، وأشرقت عوالم الملكوت بنور وجهها، فارقت على مضض حَسَنيها، تفيض بالدمع السخِين مقلتاها.. كَسفوا شمسها، أُضيع حقّها، جهلوا قدرها، خَيّم الحزن على دارها، واخضرّت الجنان لِمقدمها.. قم يا سيّدي يا أبا صالح لأمّكم الزهراء(عليها السلام)، فخذ بثأرها واكشف للورى حقيقة ما جرى، وأزل نقابها، وأذق الويل كلّ من آذاها.