عَملِيّاتُ التَّجميلِ بينَ التَّرفِ وَالهَوَسِ

الاختصاصيّة في علم النفس الاجتماعيّ نسرين نجم حاورتها سوسن بداح خيامي/ لبنان
عدد المشاهدات : 215

من الشعر المنسوب إلى مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام): "ليس الجمالُ بأثوابٍ تُزيّننا إنّ الجمالَ جمالَ العلمِ والأدبِ"(1) إنّ الله(سبحانه وتعالى) لا يخلق شيئًا إلّا وفيه مسحة جماليّة تختلف من شخص إلى آخر، البعض يمتلكها بمظهره الخارجيّ، والبعض الآخر بطبعه وأخلاقه وروحه، إذن الجمال هو قناعة نفسيّة داخليّة، وبالمفهوم العام الجمال نسبيّ، لأنّه يختلف من ثقافة إلى أخرى. وممّا لا شكّ فيه بأنّ الإعلام والإعلانات أدّت دورًا رئيسًا ومهمّاً في تسويق العمليّات التجميليّة التي لم تعد حكرًا على النساء، بل وصلت إلى الرجال أيضاً، ومنذ سنوات والأعداد تتزايد حتى غدا تجميل الأنف أمراً بسيطاً، أو بالأحرى اختيار أنف جديد وكأنّكَ تشتري ثوبًا جديدًا. أسباب التعلّق وصولًا إلى الهوس بعمليات كهذه يعود إلى أسباب عدّة؛ منها: 1- وفرة المال. 2- وقت الفراغ. 3- الترف، هو من الأسباب المهمّة وراء عمليّات التجميل. 4- اضطراب صورة الجسد لدى الشخص التي تبدأ عوارضه بالظهور في سنّ المراهقة، أو في سنّ البلوغ المبكر، حيث توجّه بعض الانتقادات الشخصيّة لمظهر الفرد، وهذا الأمر يولّد التفكير المستمرّ بتغيير المظهر، رغم أنّه قد لا يكون بحاجة إلى هذا التغيير، إلّا أنّه من وجهة نظر الشخص أمر شائن ومخجل ومعيب، ممّا يدفعه في حال عدم إجراء عمليّة التجميل إلى أن يصل إلى الاكتئاب والقلق الشديدين وصولًا إلى العزلة والانتحار. 5- سيطرة الوسواس القهريّ الذي يأخذ صورة السعي إلى الكمال، رغم عدم وجود أيّ خلل أو مشكلة بالمظهر، وهذا الوسواس يتسبّب بخلل في هرمون (السيرتونين) ممّا يؤثر في مزاج الإنسان، ويزيد من توتّره واكتئابه. 6- وأيضًا لا يمكن أن نغفل عن عامل الغيرة، لاسيّما بين السيّدات حتى لو كان وضعهنّ الماديّ سيئًا، فتلجأ بعضهنّ للاستدانة لإجراء العمليّات التجميليّة، حتى إنّ بعض المصارف قدّمت لزبائنها قرضاً خاصّاً بعمليّات التجميل، والإقبال عليه كبير جدًا. اللافت للانتباه أنّ عمليّات التجميل جعلت من أشكال النساء اللواتي خضعنَ لعمليات متشابهة كهذه وكأنّهنّ من قالب واحد. بالطبع هناك بعض العمليّات الضروريّة؛ لاسيّما مَن تعرّض لحروق أو لحادث ما، أو لوجود تشوّه خَلقي أو حاجة طبيّة. لذلك نقول إنّ الجمال نسبيّ، والكمال لله وحده، ومن الضروريّ عدم المقارنة مع الآخرين، فلكلّ منّا بصمته الخاصّة، ولنعمل على تعزيز القدرات والطاقات الكامنة التي بداخلنا ونصونها بالإيمان والمحبّة والمودّة. ومن المهمّ أن يبتعد الأهالي في عمليّة التنشئة الاجتماعيّة عن المقارنة بين أبنائهم وأبناء الآخرين، أو حتى بين الأخوة أنفسهم، إلى جانب تقوية الثقة بالنفس والقناعة بما أعطاه الله لنا من خصائص جماليّة، وأن يسعى الإنسان إلى تعزيز قدراته، فالجمال مع التقدّم في السنّ يذهب، ولا يبقى إلّا الأخلاق والصيت الحَسن. ....................................... 1- ديوان الإمام عليّ(عليه السلام): ص 19.