ثَقَافَةُ الارتِبَاطِ بالسَّيدَةِ الزَّهرَاءِ (عليها السلام) ومَظَاهِرُ الرَّحمَةِ الإِلهيَّّة

نادية حمادة الشمري
عدد المشاهدات : 234

الأسرة في كلّ مراحلها ما هي إلّا مرآة تعكس المجتمع الذي تنشأ فيه، من حيث عقيدته وحضارته ومستوى تقدّمه، فكان للإسلام أثر بارز في بناء الأسرة الرصينة بموجب الضوابط والمعايير التي تنظّم القيم باعتبار الأسرة أحد أهم اللبنات للمجتمع الإسلامي، حتى قرأنا قرآناً يتلى إلى يوم القيامة في: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ)/ (الزلزلة:7)، وأتممناها بالرواية التي حث فيها الرسول (صلى الله عليه وآله) ابنته الزهراء (عليها السلام) لتكون خير مثال يُحتذى به. فمنذ بداية نشأة الأسرة أيّ من خلق آدم وحتى يومنا هذا نجد أن الأم هي التي تقوم بمَهمة لا ينكرها أحد سواءً في مجال التربية أو الاقتصاد أو الاجتماع.لنحاور مَن حولنا إن الأم وطن أين هو؟ فكانت الإجابات والتي ابتدأها المهندس حسين الساعدي: إنّ الأم مدرسة تشمل جميع فصول الحياة وجميع مرافقها الحيوية؛ لأنها هي التي تصنع شخصية يطمح لها كلّ والد لولده، ولا فرق بين ذكر وأنثى في التربية، ولعلّ المجتمع الكربلائي يتميز بسمة خاصة ألحظها في جميع طبقاته المختلفة، وهي أن جميع هذه الطبقات تسعى لأن تكون السيدة الزهراء (عليها السلام) هي نبراسها في التربية وأمور الحياة، فنجد أن المرأة تسعى دائماً وأبداً لسدّ حاجة من الحاجات التي تثقل كاهل الزوج، وبهذا تكون قد نهجت نهج فاطمة الزهراء (عليها السلام) في إسعاد عائلتها، وأهم ما يهمنا هو الاهتمام بالجانب الديني الذي يسوّغ جميع الأمور؛ لتكون في مرضاة الله (عز وجل). (أروع النساء مَن تفنّنت) أوضحت السيّدة إيمان محمد طالبة في مدرسة فدك الزهراء (عليها السلام): أنها لمست حقيقة الأنوار الفاطمية في هذه المدرسة، التي بلورت نظريات تجسيد الزهراء (عليها السلام) بالكثير من الأمور الحياتية، فقد عملت على الصعيدين الفكري والعملي، وساهمت المدارس الدينية في تكوين شخصيات نسائية تسعى في تربية أبنائها وبلورتها لتكون بذلك أروع النساء من تفننت بصبرها وأسعدت غيرها. (المخطّط يعني نمواً حضارياً) بيّن هاشم العلي/ طالب في كلية الهندسة: أن التخطيط لبداية الحياة وما يتبعه من مسؤوليات تدفع بالكثير للعزوف عن فكرة الارتباط أو تكوين أسرة في الوضع الراهن، وهنا يظهر دور الأم والمواريث التي ورثها الأبناء عن أسرهم في كيفية التخطيط لحلّ المشكلات سواءً الاقتصادية و الاجتماعية والتربوية حيث استطاعت أن تخلق أسساً حضارية في شخصية أبنائها. (التقليد) بيّنت إسراء محمد/ خريجة كلية الهندسة: أن التقليد هي أول لغة يتعلّمها الطفل، وعدّتها من الجوانب المهمة والإيجابية التي تثري الجو الأسري، وتقصد طبعاً التقليد الصحيح الذي لا تشوبه شائبة. بيّنت كذلك أن تقليدها للأدوار التي قامت بها الأم كانت جميعها أدواراً محبّبة إلى قلوب الفتيات، وكأنها بمثابة إعداد وتكوين لشخصيتها. (رأي التوجيه الديني) (عاملة من عمال الله (عز وجل)) أوضحت السيدة رجاء علي – قسم التوجيه الديني النسويّ في العتبة العباسية المقدسة – أن المرأة حظيت في الإسلام بالكثير من الاهتمام ونلمس ذلك عن طريق العديد من الروايات التي تخدم المجتمع وتعود عليه بالنفع والفائدة، فأوصاها بحسن الخلق حتى تكون عاملة من عمّال الله (عز وجل) في الأرض؛ إذ لابدّ من أن يكون العمل نابعاً من نكران الذات أولاً، فالزوجة لابدّ من أن تتحلى بعدة أمور منها المداراة، والصبر، والعمل الشاق في سبيل التقرّب إلى الله (عز وجل)، فهي شيء مكمل ومتمم لنمو المجتمع الحضاري، وعامل مساعد من عوامل الإصلاح في هذا المجتمع. رأي الإرشاد الأسري (القدوة الحسنة) وبسؤالنا السيدة سحر الطيار (الإرشاد الأسري) عن المرحلة العمرية التي كانت للسيدة الزهراء (عليها السلام) هي مرحلة تُعرف بوقتنا الحالي بالنضوج، فما تأثيرها في تكوينات الشخصية المتكاملة للفتى؟ في الوقت الحالي تعيش الفتاة في مرحلة النضوج حياة متشعبة متعددة الأطراف والنواحي؛ لذا تحتاج هذه الطبقة إلى قدوة حسنة تكون لها نبراساً في حياتها، وهذا يكون على عاتق الأم في اختيار القدوة الحسنة، وخير سبيل على ذلك السيدة الزهراء (عليها السلام) التي تقاسم الفتاة المراهقة في المرحلة العمرية وكيف أنها استطاعت توظيف طاقاتها في الوظائف الإلهية والحياتية منها وتسليط الضوء على ظلال حياتها لنُسهم في تكوين بذرة لأم مستقبلية عن طريق الدعم الاقتصادي والوقوف على المشكلات الحياتية لإيجاد حلول ناجعة، وعلى الأم أن تسلط الضوء على حياة الزهراء (عليها السلام) في مرحلة نضوجها متخذة من الأعمال البيتية سبيلاً للتقرب إلى (عز وجل)، إلى جانب العبادات التي كانت تتقرب بها إلى الله (عز وجل)، ورضيت أن تطحن بالرحى حتى مجلت يداها، لتُكمل تقوية شخصيتها بتسبيح الزهراء (عليها السلام) عن طريق هذا التسليط على حياتها والأم هنا تحاكي أمنية كلّ مراهقة في تكوين شخصية متكاملة ومؤثرة وقوية.دراسات زِيَادَةُ الإنتَاجِ العَمَلِي أكدت الدراسات القرآنية على أن الزوجة الصالحة وسيلة لزيادة الدخل، وهي حقيقة قرآنية علمية متمثلة بالآية: (إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ)/ (النور:32) إذ بيّنت الدراسة أن وجود الزوجة الصالحة والمدبرة في البيت يؤدي إلى رفع الحالة المعنوية مما يؤدي إلى إنتاجية أكبر لهما، ومن ثمّ زيادة الدخل الناتج من عملهما. وأشارت الدراسات الحديثة التي أعدّها مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن هناك نظرية وهي (حماية الزواج) إذ ترى أن المتزوجين قد يتمتعون بإيجابيات أكثر بمفهوم المصادر الاقتصادية والدعم الاجتماعي والتشجيع للاعتماد على أسلوب حياة صحي. لتتبعها مجلة مختصة في الدراسات النفسية في أن المتزوجين الذين لديهم أطفال يرتفع دخلهم بمقدار 16% سنوياً مقارنة بـ 8% من المتزوجين من نساء لا يسعين إلى عملهنّ الأسري والتدبير الاقتصادي، لتتبعها دراسة حديثة أجراها علماء في جامعة كانسا سان توصلت إلى أن العالم المتزوج أكثر قدرة على الإبداع والإنتاج العملي؛ لأن عطاء المرأة وإبداعها ينصبّ باتجاه أطفالها وبيتها لتكفل لهم الاستقرار في جميع نواحي الحياة.التَّقسِيمُ بَينَ الزَّوجَيْن أجرى موقع (أسري) دراسة ميدانية للتعرف على مدى إيجابية التقسيم بين الزوجين في الحياة الأسرية، فكان أنْ أبدى 66% من الأزواج في إيجابية تقسيم العمل بين الزوجين في الأعمال المنزلية وعدّته هذه النخبة ضرورة من الضروريات، بينما لم يؤيد ذلك 24% وأشار 79% أن ما يعطل العمل بذلك هي العادات والتقاليد، وأما نسبة الـ 30% فقد رأت أن أعمال البيت من واجب الزوجة والمساعدة تكمن في شؤون الأطفال لتصل إلى نسبة 91% بضرورة مساعدتها في التوجيه والتأديب، ويرى 52% مساعدتها في جميع ما يحتاجه الطفل؛ لينشأ إنساناً مستقراً استقراراً نفسياً وصحياً. تبعتها دراسة طبية في أن التفرغ لأعباء الأسرة بَدءأ بالأمومة وأشواطها من الحمل والإنجاب إضافة إلى ذلك الأعمال المنزلية، فإنه يُساهم في القضاء على الهموم القلبية. لتختم الدراسة الفقهية أن إقرار المرأة في البيت ليس غبناً لها أو سجناً وإنما هو إعانة لها على أداء وظيفتها التي خُلقت من أجلها وهي التفرغ لتربية الأولاد في بَدء حياتهم ليحيوا حياة سليمة. خاتمة فالأسرة مسؤولة عن أفرادها وقد استطاعت الأسرة المسلمة بما لديها من آثار الإسلام وأخلاقياته؛أن تكون حضن الأمان وحقل الإنتاج في كلّ ميادين الحياة ولأنها تصنع الإنسان فهي قلب المجتمع, فإذا صلحت صلح المجتمع كله، كما أنها تتحمل إستراتيجية كبيرة لتعليم الأجيال القادمة مبادئ الحياة بشكل تلقائي وعفوي وعدّهم لشغل المناصب والوظائف الاجتماعية التي لا تخلو أيّ منها من روح التعاون.