حِكَايتي مَع عَقِيلَة الوَحيِ

زينب شاكر السمّاك/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 180

لكلّ إنسان قدوة يحتذي بها، وترافقه سيرتها في مسيرة حياته ليتعلّم منها، وذلك أنّ فطرة الإنسان تميل دائماً إلى الاقتداء، فمَن جعل له قدوةً عظيمةً في صفاته، فلابدّ من أن يتأسّى بها في كلّ صفاتها، فالقدوة المؤثّرة مثال حيّ للارتقاء في درجات الكمال. أحببتُ أنّ أتحدّث اليوم عن قدوتي في الحياة، تلك التي كانت نبراساً لطريقي وبناء شخصيّتي ونجاحاتي، عادةً ما يختار المرء قدوةً في الحياة بحسب أهوائه ومبتغاه، أمّا أنا فقد ساقني القدر إلى تلك القدوة الفذّة، حتى أصبحت رفيقتي في كلّ مراحل حياتي، امرأة عظيمة لن يكرّرها التاريخ الإنسانيّ، تلك الشخصيّة الشجاعة العالمة غير المعلّمة، الفهمة غير المفهّمة التي لم يسجّل التاريخ أربط جأشاً ولا أقوى كرامة وحزماً منها، تلك التي كلّما ذُكِر اسمها رافقته القوة والحزم والإباء. فهي حفيدة الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وبنت البتول(عليها السلام) وعقيلة بني هاشم(عليها السلام)، رافقتني هذه السيّدة القوية منذ يوم ولادتي وإلى يومي هذا، حيث ساقني القدر إليها منذ أول صرخة لي في هذه الحياة، في أول بصيص ضوء يدخل إلى عينيّ وقد ارتبطتُ بها قبل ارتباطي بوالدتي، كتب لي القدر أجمل شيء في حياتي وهو أن يكون اسمي على اسمها. لم تكن السيّدة زينب(عليها السلام) كبقية النساء، إنّها عقيلة بني هاشم... امرأة صلدة صلبة قوية.. تمتلك كلّ مقوّمات القوة، وعُدّت(عليها السلام) رمزاً للمرأة المسلمة الصابرة، وقد تعلّمت منها(عليها السلام) كيف أكون صبورة، فهي المثل الأعلى في الصبر والاستقامة لكلّ امرأة وفتاة، واجهت(عليها السلام) ما مرّ في حياتها من مصائب وكوارث منذ صغرها، وتحملّها فراق الأم بصبر وإيمان وقوّة، حتى واجهت أكبر مصيبة وهي وقوفها على جسد أخيها أبي عبدالله الحسين(عليها السلام) في تلك الظروف العصيبة والمواقف المؤلمة. علّمتني كيف أكون قوية في كلّ الظروف والمواقف، فلا يوجد غبار على قوّة شخصيّة السيّدة زينب(عليها السلام) التي تجلّت بصُوَرها المتعدّدة ومواقفها الكثيرة والمعروفة في واقعة الطفّ، ومؤازرتها أخاها الإمام الحسين(عليه السلام)، ودورها الفعّال في هذه الملحمة الحسينيّة، فقد كانت قوّة شخصيّتها رسالة إلى كلّ امرأة ورجل رغم فقدانها أعزّ ما تملك من الأهل والعزوة، وما عانته في رحلة السبي، لكنّها وقفت أمام هذا الإعصار بشجاعة وقوّة ولم تُهزم، بل على العكس كانت السند للأيتام، ومصدر قوة لمَن سُبِي معها. كانت(عليها السلام) أنموذجاً فذّاً من النساء اللائي لن يكرّرهنّ التأريخ، وهي مدرسة للمرأة الحكيمة والصادقة والعفيفة والقوية، قدّمت(عليها السلام) دروساً كثيرة عن دور المرأة الفعّال في المجتمع، والدفاع عن المظلومين، ومواجهة أيّ انحراف في الأمة، وأعطت رسالة واضحة للمجتمع حول مسؤوليّة المرأة التي لا تقلّ عن مسؤوليّة الرجل تجاه مجتمعه وأمّته.