خِيرَةُ النِّسَاءِ
تتوالى علينا أحداث ومناسبات عديدة لأهل بيت النبيّ محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، وهناك ما يغلب عليه طابع الحزن, وما بينهما تتعدّد المشاعر وتختلف، نصّنا هذا نبذة مختصرة لمَن يطّلع عليها فتقودهُ إلى تلك السيّدة العظيمة فاطمة الزهراء(عليها السلام) ابنة رسول الله محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، هذه السيّدة الجليلة أينما ينظر القارئ في تفاصيل حياتها لابدّ من أن يتأثّر كثيراً بما جرى عليها, فقد كانت نِعمَ المثال للمرأة السابقة والحاضرة التي ترسم أسس الحياة على المستوى العامّ والخاصّ, فعلى المستوى العامّ والأهمّ أحاديث النبيّ محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) بشأنها، إذ ذكرها في الكثير من أحاديثه، منها: "فاطمة بضعة منّي, من سرّها فقد سرّني ومَن ساءها فقد ساءني, فاطمة أعزّ الناس عليّ"(1). كانت(عليها السلام) لها منزلة كبيرة عند الجميع وذلك لحبّهم وتعلّقهم بالنبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، إلّا أنّها بعد شهادة والدها عانت الويلات والمصاعب، وممّا ذكر في العديد من الروايات أنّ والدها قد أخبرها قُبيل شهادته بأنّها ستكون أول أهل بيتهِ لحاقاً به،(2) حيث عاشت في حالة من الحزن بعده، فقد كانت تبكي على فراقه ليلَ نهار من شدّة تعلّقها به, وقد نسيت حتى الابتسامة والفرح. ما لبث القوم هُنيئةً ليجفّ تراب قبر الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) حتى هجموا على دار عليّ(عليه السلام) لرفضه مبايعتهم، ولأنّه (عليه السلام) كان أولى بالخلافة بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وحينما وصلوا إلى دار عليّ(عليه السلام) أضرموا النار فيها, وفي تلك الأحداث كانت البضعة الطاهرة(عليها السلام) حُبلى في أشهرها الأخيرة, وفي أثناء هجومهم كانت خلف الباب فدفعوه عليها ونبت المسمار في أضلعها, ومن شدّة العصرة أسقطت جنينها ووقعت خلف الباب, اشتدّ مصابها وحزنها(عليها السلام) حتى انتقلت إلى ربّها مظلومة مكسورة الضلع. ما أن تُذكر في نصّ الحديث فاجعتها حتى ينشج القلب بالدموع لمصابها, فكانت سيرتها مثالاً لكلّ نساء العالمين, فما أعظمها من حياة ملؤها التقوى والصبر والإيمان, وهي قدوة لكلّ النساء ومعراجنا إلى السماء، فالسلام عليها أبد الدهر من صابرةٍ محتسبة مهضومة مظلومة, والسلام على قبرها المُعفّى أثره حتى ظهور ولدها المهديّ(عجل الله تعالى فرجه الشريف) ليأخذ بثأرها من ظالميها, ويأخذ بأيدينا إلى قبرها لنذرف الدموع على ألم مصابها. .................................. 1- ميزان الحكمة: ج7، ص8. 2ـ حياة رسول الله وأهل بيته: ج1، ص31.