أَتكونُ العِلَّةُ فِيكِ؟!
حينما تتهاوى المودّة والرحمة على عتبات الخيبة، يستحيل السَكَن نزقًا وخرقًا، ويتبدّل التعقّل إلى حمق؛ فيغشى الأزواج ظلمة تجعلهم ألعوبة تتقاذفها الأبالسة إغراقًا في الوحل، حتى يُزيّن إليهما اختيار العزلة في محيط الشريك، أو البحث عن البديل بالطرق المشروعة أو غيرها، بحجّة أنّ الآخر هو السبب، فلم يعد لتغييره من سبيل؛ فالنفس تطمع والأسباب عاجزة، فيهملان بعضهما، وتبدأ مرحلة: (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ)/(يوسف:53) فلا براءة، و: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)/(الرعد: 11)، لا ما بنفوس غيرهم!! نعم، حصتكِ بوصفك مكلّفه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا هممتِ بخير فبادري؛ ليعود النور والسَكَن من جديد. وقفي واسألي نفسكِ، فقد تكون العلّة فيكِ. فلربّما أنتِ تُكثرين من التدخّل في خصوصيّات شريكك المشروعة، فتطوّقينه وتحاصرينه إلى حدّ الاختناق، ولربّما تكثرين من اللوم والعتاب والتهديد والوعيد، فتشتعل نار اللجاجة بينكما. أمّا إذا كنتِ ذات مزاج صعب، فإنّ انفجاركِ لا ينقصه إلّا الفتيل المشتعل، وإن كنتِ ذات غضب فلا تُطلقيه لكيلا تزيدي في تفاقم المشكلة. أمّا الأنانيّة والتعصّب، فإنّها غرائز عمياء لحبّ الذات، ومنها تتولّد الرذائل تباعاً؛ فـ (مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ)/(الرعد:43)، وأوغل في العناد لا يُستكثر عليه قول المثل: "إنّها عنزة ولو طارت"(1). وإنّ الغيرة المفرطة بمثابة الهاوية بين الطرفين؛ مثلما أشارت بعض الروايات إلى أنّ الغيرة إذا كانت في غير محلّها قد توصل المرأة إلى الانحراف، ويؤيّده وصيّة أمير المؤمنين إلى ابنه الحسن(عليه السلام): "إياكَ والتغاير في غير موضع الغيرة"(2)، واستثناء الإمام الباقر(عليه السلام) المُسلمات من الشرط والجزاء في قوله: "..إنّ النساء إذا غِرنَ غضبنَ، وإذا غضبنَ كفرنَ إلّا المسلمات"(3)، ثمّ إنّ الغيرة ليست ذريعة للتجسّس على الآخر، فإنّ المراقبة تكفّل بها المَلَكان. أمّا إهمال النفس بعدم لزوم التهيئة الحسنة أو إهمال الآخر عاطفيّاً أو التقصير في حقّه، فلا مبرّر لها، فإنّ التهيئة عفّة، والقول الطيّب غنى، والمقاربة تحتّ الذنوب. بينما يُعرف الخواء الفكريّ بأنّه سذاجة ومفسدة للنفس، فضلًا عن غربة الحيّ منهم بين الأموات. وعن الإمام عليّ(عليه السلام): "البخل جامع لمساوئ العيوب، وهو زمام يُقاد به إلى كلّ سوء"(4). ................................................. (1) مثل يُضرب في التعصّب للرأي رغم وضوح الحقيقة. (2) ميزان الحكمة: ج3، ص2343. (3) ميزان الحكمة: ج3، ص2344. (4) ميزان الحكمة: ج1، ص232.