تَوقِيفِيَّةُ أسماءِ اللهِ تعالى
عندما يطفحُ القلبُ حُبّاً، وتمتلئ الروحُ شوقاً، وتذوبُ النفسُ وَلَهاً، فإنّها تهفو إلى التعبير، وممّا لا ريبَ فيه أن لا حبيبَ أحبُّ من الله (عز وجل)، والسؤالُ هل يصحُّ لنا اختراعُ اسم من الأسماءِ لنعبّر به عن تلك المشاعر مثلما يُعبِّرُ البعضُ بـ(يا معشوقي، ويا صديقي)؟ يصبُّ هذا السؤالُ في دائرةِ موضوعِ توقيفيّةِ أسماءِ الله تعالى، ويُقصدُ بهِ عدمُ جوازِ تسميةِ الله إلّا بما سمّى به نفسه في الكتابِ والسنّة. وقد انقسمَ العلماءُ في هذه المسألةِ إلى قسمين، فمنهم –وهم جمهورُ أهلِ السنّة- مَن تمسَّكَ بتوقيفيّةِ أسماءِ الله قائلًا: إنّ المرجعَ الوحيدَ في تحديدِ أسمائه هو الشرعُ الإلهيّ لا غير، فيَحرمُ تسميته دونَ الاستنادِ في ذلك إلى إذنِ الشارع. ودليلُهم قوله: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الحسنى فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ) (الأعراف:180)، حيثُ قالوا إنّ الألف واللام في كلمةِ (الأسماء) هي للعهد، أي للهِ تعالى تلك الأسماءُ الحسنى التي وردتْ في القرآنِ الكريم والسُنّةِ حصرًا، وأنتم مأمورون بأنْ تتوجّهوا بالدعاءِ إليه بها دونَ غيرها؛ لأنّ الآيةَ تأمرُ بتركِ الذين يُلحدون في أسمائه تعالى، وقد فسّروا الإلحادَ هُنا بالتعدّي إلى غيرِ الأسماءِ الحسنى المعهودة له في القرآنِ الكريم والسنّة. ومنهم وهم كثيرٌ من المعتزلةِ والكراميّةِ والإماميّة والزيديّةِ، وبعض الأشاعرة، وجمهورِ الفلاسفةِ والعرفاءِ والمتصوّفةِ مَن رفضَ توقيفيّةَ الأسماءِ، وذهبَ إلى جوازِ تسميتِه من دونِ الاستنادِ في ذلك إلى إذنِ الشارع الخاصّ، شريطةَ أن تكونَ التسميةُ بما ثبتَت صحّتُه عقلًا، ولم يردْ فيه النهي شرعاً، مُستدلّين على ذلك بأنَّ (الألف واللام) في الأسماءِ الحسنى في الآيةِ المذكورة هي للجنسِ لا للعهدِ، أي أنّ اللهَ تعالى يأمر بالتوجُّهِ إليه بالدعاء عِبْر كُلِّ اسم حسن؛ فإنّ كلَّ اسمٍ حسنٍ من الأسماء فللّهِ أحسنه، فمَن عندَه القدرة فإنَّ للهِ تعالى تمامَ القدرةِ، ومن عندَه العزّة فإنّ للهِ تعالى تمامَ العزّةِ، وهكذا. وعليه، فلا دليلَ على حُرمةِ تسميتهِ بغيرِ الأسماءِ الواردةِ في الكتابِ والسنّة، وأمّا الإلحادُ فهو الميلُ عن جادّةِ الصوابِ؛ ولذلك لم تنهَ الآيةُ المباركةُ عن التعدّي إلى غيرِ الأسماءِ الحسنى المعهودة له في القرآنِ الكريم والسنّة؛ بل نهتْ عن الميلِ عن جادّةِ الصوابِ في تسميته، كتسميته بما يحملُ نقصاً أو تجسيماً أو غير ذلك، أو كإطلاقِ أسمائه على الأصنامِ لأجلِ الشركِ به، ورفعًا لمنزلتها، ووضعًا لمنزلته (جلّ وعلا)، كاسم (الّلات) المأخوذ من الإله بتغيير، و(العُزّى) المأخوذ من العزيز، و(المناة) المأخوذ من المنّان. ومن ثَمَّ تجوزُ تسميتُه بكُلِّ ما يدلُّ على الكمالِ المُطلقِ أو يُنزّهه عن النقصِ والعيبِ، بيدَ أنَّ العوام من الناس ربّما لا يتبادرُ إلى ذهنه ذلك، بل ربّما يُسمّي الذاتَ المقدّسةَ بما لا يخلو من الإشارةِ إلى النقصِ -والعياذِ بالله-، وعليه فمقتضى الاحتياط الاقتصارُ في التسميةِ على ما وردَ في الكتابِ والسنّة، لذا أوصى أعاظمُ العلماء والمُحقّقين بالتزامِ المُكلَّفِ بتوقيفيّةِ الأسماءِ، مُشدّدينَ على أنّها السبيلُ إلى العصمةِ من الضلال. وفي كُتُبِ الأدعيةِ ما يروي ظمأ القلب، ويُسكِنُ غليلَ الروح، ويُعبِّرُ عن حُبِّ العبدِ لمولاه وشوقِه إليه، ويُغني عن العوزِ إلى الاختراع: "يا حبيبَ مَن لا حبيبَ له، يا طبيبَ مَن لا طبيبَ له، يا مُجيبَ مَن لا مُجيبَ له، يا شفيقَ مَن لا شفيقَ له، يا رفيقَ مَن لا رفيقَ له"(1) ........................ (1 بحار الأنوار: ج91، ص391.