"المَرءُ على دِينِ خَلِيلِهِ"(1)
هدى: هناك حلّ آخر لمرض الكسل أذكره تتمّة لكلامكم أستاذة ليلى، ألا وهو الصحبة الصالحة، فالإنسان اجتماعيّ بالطبع، لا يكتفي بعلاقات في نطاق الأسرة وفي دائرة الأرحام والأقارب، بل يتوسّع في علاقاته فيرتبط بأفراد من خارج الأسرة، وتمثّل هذه العلاقات بالنسبة إلى الإنسان حاجةً نفسيّةً واجتماعيّةً، لذا يحرص على إقامتها. حوراء: ما نظرة الدين إلى هذا التوجّه الإنسانيّ؟ هدى: مؤيّد، ولكن بشروط وضوابط، فعن رسول الله (صل الله عليه وآله) أنّه قال: "استكثروا من الإخوان فإنّ لكلّ مؤمن شفاعة يوم القيامة"(2)، فهذا الحثّ مقيّد بضوابط، فاختيار الصديق يأتي بقيد الإيمان؛ لأنّه عنصر مؤثّر في حياة الإنسان، وفي بعض المراحل يكون تأثيره أكثر من الوالدين والأسرة. ليلى: سأذكر لكم حديثاً يؤكّد ما تفضّلت به هدى، فعن رسول الله (صل الله عليه وآله) أنّه قال: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم مَن يخالل"(3). فالناس لا تفرّق بين الصديقين، فتراهما واحداً فما يُحكم على أحدهما يُحكم على الآخر سلباً أو إيجاباً، ولذا قال (صل الله عليه وآله): "فلينظر أحدكم مَن يخالل"، يعني ليدقّق قبل انتخاب صديق له. فالصديق قد يكون عامل بناء وقد يكون عامل هدم، فهناك صديق يهدم ما بنته الأسرة، وصديق آخر يكمّل مسيرة البناء. فعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: من ضمن ما أوصاني به أبي (عليه السلام) أنّه قال: "يا بنيّ، مَن يصحب صاحب السوء لا يسلم"(4) فهو عامل هدم، وعنه أيضًا (عليه السلام) أنّه قال: "مَن لم يجتنب مصادقة الأحمق أوشك أن يتخلّق بأخلاقه"(5)، فالتأثّر بمصاحبة السفيه لا ينحصر في صفة الحماقة بل أعمّ من ذلك بأن "يتخلّق بأخلاقه"، أي بكلّ ما فيه من أخلاق وصفات سيّئة ومنها الكسل. ويكون الصديق عامل بناء حين يكون صالحاً طموحاً ناجحاً موفّقاً في دنياه والعمل لآخرته، فالصديق الناجح يزرع الثقة في نفس صديقه ويدفعه إلى الأمام، ويحرّكه نحو السعي والعمل، ويسهّل له طريق النجاح ويدفعه نحو التفاؤل. زينب: العلاقة والارتباط مع أصدقاء مثلكم هو مُلهم ومحرّك ومحبّب للعمل، فالإنسان عن طريق صداقته يريد أن يكون ناجحاً في دراسته وفي عمله وفي حياته الأسريّة مثل أصدقائه، فالصديق قدوة مُلهمة. حميدة: أذكر لكم حديثاً أتمنّى من الأستاذة ليلى شرحه، قال الحواريّون لعيسى (عليه السلام): مَن نُجالس؟ فقال: "مَن يذكّركم الله رؤيته، ويرغّبكم في الآخرة عمله ويزيد في منطقكم علمه"(6). ليلى: عن طريق كلمات السيّد المسيح (عليه السلام) في حديثه يتبيّن لنا أنّ المجالسة لها معايير، منها: أن تكون مجالسته إيقاظاً للروح، وصحوةً للنفس من الغفلة: "ويرغّبكم في الآخرة عمله" إنسان لديه إرادة وطموح، فيعبّأ ويحمّس صديقه، فعمله تحفيز ودافع يجعله يقتدي به، فواحدة من أفضل طرق التربية للأبناء هو وضعهم وسط أناس ناجحين في حياتهم، يحفّزونهم بسلوكهم وعملهم. "ويزيد في منطقكم علمه" فعندما يُجالس ويُصاحب ويرى علم هذا الإنسان واطّلاعه وثقافته ووعيه، يزداد رغبةً وشوقاً إلى العلم، ويجعل منه إنساناً واعياً، فهذه الصحبة والصداقة تفتح له آفاقاً تبصّره وتدفعه نحو العمل. يتبع... ................................. (1)الأمالي للطوسيّ: ج2، ص95. (2)ميزان الحكمة: ج1، ص33. (3)الأمالي للطوسيّ: ج2، ص95. (4)بحار الأنوار: ج71، ص191. (5)ميزان الحكمة: ج2، ص351. (6)بحار الأنوار: ج71، ص189.