(وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ) (1)
مثابرة، متحمّسة كالمعتاد، مشغولة مثلما لم تكن من قبل لمثل هذه الأفكار، زهراء على الرغم من أنّ مرحها الطفوليّ لم يفارقها، إلّا أنّ ملامح الجديّة ونضج الشخصيّة بدت واضحة على محيّاها اللطيف المشرق كأنّها صورة المرأة التي جمعت خصائص الثلّة الطيّبة، حماسها لم يعد مجرّد حالة عابرة، لقد وضعت قدميها على أرضيّة صلبة، تُفكّر، تبادر، تقترح في مجلس الثلّة الطيبة، زهراء حاضرة مع زينب وسارة. زهراء: بعد إذن أمّهاتنا المحترمات، ألا يجب أن نعمل على استثمار أوقاتنا وجهدنا بشكل جيّد؟ وأن نلتفت لما حولنا فلعلّ أحداً ما أحوج ما يكون لنا. سارة (متذمّرة): بالله عليكِ زهراء مازال الوقت مبكّراً للعمل، دعينا نعيش عمرنا. أمّ عليّ: من الخطأ الاعتقاد بأنّ مرحلة الشباب هي للهو واللعب فقط، بل هي تأسيس لمراحل الحياة المقبلة، وهي السبب الرئيسيّ في نجاحها أو فشلها، فعن الإمام عليّ (عليه السلام): "مَن لم يجهد نفسه في صِغَره لم ينبل في كِبَره"(2) زهراء (ببراءة): لذا سأحاول إنقاذ هؤلاء الفتيات. وقبل أن تكمل حديثها.. انقضّت زينب وسارة عليها ترافقهنّ ضحكات الأمّهات، وقد أضفت مشاكستهنّ جوّاً من المرح. أمّ حسين: مهلاً يا فتيات! علينا شكر مَن يُساعدنا، أليس كذلك؟ زهراء (وقد غيّرت مجرى الحديث): أَلم تلاحظوا تغيّر حال الخالة أمّ أحمد؟ تبدو منهكة شاحبة، كم أودّ لو أمكنني مساعدتها. أمّ عليّ: بوركتِ يا بنتي، إنّ قلبكِ الطيّب ونفسكِ الوثّابة يجعلانكِ قدوة طيّبة لفتياتنا.. أمّ جعفر: حفظكِ الله تعالى يا بنتي، نعم بعد ذلك الحادث من المؤكّد أن يتغيّر حالها، كان الله تعالى في عونها. زهراء: أرجو المعذرة، ألا ينبغي علينا المبادرة إلى مساعدتها؟ أمّ حسين: بلى، إنّ مساعدتها واجبة علينا. أمّ جعفر: كنتُ أنتظر فرصة مناسبة بحيث لا تُؤذى مشاعرها. أمّ عليّ: هذا لا يُبرّر تقصيرنا، فلو إنّا فكّرنا معاً في أوّل الأمر لوجدنا طريقةً ملائمة، فالتأخير في مثل هذه الحالات خطأ كبير. أمّ حسين: نعم في حديث عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: "إذا هممتَ بخير فبادر، فإنّكَ لا تدري ما يحدث"(3) أمّ زهراء: إنّ المسارعة في أعمال البرّ ممّا أثنى الله تعالى عليه: (وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وأولئك مِنَ الصَّالِحِينَ) (آل عمران:114). أمّ عليّ: وإنّ أسمى أعمال البرّ هو إعانة المؤمن، وقد نعجب عندما نسمع حديثاً عن النبيّ الأكرم (صل الله عليه وآله) يصف ثواب ذلك فيقول: "مَن سعى في حاجة أخيه المؤمن فكأنّما عبدَ الله تسعة آلاف سنة، صائماً نهاره قائماً ليله"(4) أمّ حسين: مع التأكيد على ضرورة صَون كرامته وحفظ ماء وجهه فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "لا يكلّف المؤمن أخاه الطلب إليه إذا علم حاجته"(5) أمّ عليّ: إذن علينا البدء بالعمل، كلّ واحدة منا تقدّم ما يمكن تقديمه لها. أمّ حسين: لنسأل الله تعالى العون والتسديد. أمّ زهراء: إن شاء الله تعالى فعن الإمام الصادق (عليه السلام): "الله في عون المؤمن ما كان المؤمن في عون أخيه"(6) ................................. (1) آل عمران:114. (2) ميزان الحكمة: ج5، ص231. (3) الكافي: ج2، ص207. (4) ميزان الحكمة: ج2، ص354. (5) بحار الأنوار: ج71، ص230. (6) وسائل الشيعة: ص3.